في سورة الفاتحة عند قوله (الحمد لله) ومعناه: أن النعم التي أنعمتم بها على أفادتكم منى ثلاثة: يدي فأعاونكم بها، ولساني فأثنى عليكم به، وقلبي فهو محشو بمحبتكم مملوء منها، فأنا أشكر نعماءكم وأجازيها بالقلب واللسان والجوارح. قال السيد الشريف: وهو استشهاد معنوي على أن الشكر يطلق على أفعال الوارد الثلاثة، وبيانه أنه جعلها بإزاء النعمة جزاء لها متفرعا عليها، وكل ما هو جزاء للنعمة عرفا يطلق عليه الشكر لغة; ومن لم يتنبه لذلك زعم أن المقصود مجرد التمثيل لجميع شعب الشكر لا الاستشهاد على أن لفظ الشكر يطلق عليها فإنه غير مذكور هنا. وما يقال من أن الشاعر جعل مجموعها بإزاء النعمة فيستفاد منه أنه يطلق عليه لا أنه يطلق على كل واحد منها. فجوابه لا شبهة في إطلاقه على فعل اللسان حتى توهم كثير من الناس اختصاص الشكر به في اللغة وأن الاشتباه في إطلاقه على فعلى القلب والجوارح، فلما جمعا مع الأول وعدت ثلاثة علم أن كل واحد شكر على حدة، فكأنه قيل: كثرت نعماؤكم عندي وعظمت فاقتضت استيفاء أنواع الشكر، وبولغ في ذلك حتى جعل مواردها واقعة بإزاء النعماء ملكا لأصحابها مستفادا منها. وفى وصف الضمير بالمحجب إشارة إلى أنهم ملكوا ظاهرة وباطنه.
(يا لهف زيابة للحارث الصا * بح فالغانم فالآيب) والله لو لاقيته خاليا * لآب سيفانا مع الغالب هو من أبيات الحماسة، والشعر لابن زيابة في جواب الحرث بن همام حين قال:
أيا يا ابن زيابة إن تلقني * لا تلقني في النعم العازب في سورة البقرة عند قوله تعالى (والذين يؤمنون بما أنزل إليك) حيث وسط حرف العطف بين الصفات كأنه قال: الذي صبح فغنم فآب: أي يا حسرة أبى من أجل الحرث، والحرث اسم من غزاهم وصبحهم وغنم منهم وآب إلى قومه سالما: أي يا حسرة أبى من أجل الحرث فيما حصل من مراده واتصف به من الأوصاف المتعاقبة، قيل تهكم به بمعنى أنه لم يحصل له تلك الأوصاف، فإن الحرث توعد أبا زيابة بالقتل ثم نكص عن جزائه. وقيل هو على ظاهرة، ثم أقسم بالله تعالى فقال: والله لقيته منفردا عن أشياعه لحصل سيفانا مع الغالب منا، والمعنى:
(تلك الفتاة التي علقتها عرضا * إن الحليم وذا الإسلام يختلب) في سورة البقرة عند قوله تعالى (يخادعون الله والذين آمنوا) يعنى أن المؤمنين وإن جاز أن يخدعوا لم يجز أن يخدعوا; ألا ترى إلى قول ذي الرمة: إن الحليم الخ. ويختلب: أي يخدع من خلب يخلب من باب قتل يقتل والاسم الخلابة والفاعل خلوب مثل رسول، وقوله عرضا: أي من غير قصد بل شئ اعترضه هكذا لا يعلمه كما قال عليه الصلاة والسلام (إن في المعاريض لمندحة عن الكذب) مثل أن يقول: ما رأيت فلانا ولا كلمته، ومراده ما ضرب رئته ولا جرحه. والانخداع ضربان: أحدهما أن ينخدع ولا يعلم أنه مخدوع فذلك من البله.
والثاني أن ينخدع ويعلم فذلك من الكم. قيل كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كلما صلى عبد من عبيده وأحسن قراءته أعتقه، فقيل له يخدعونك، فقال: من خادعنا بالله ننخدع له. والبيت لذي الرمة من قصيدته البائية المشهورة الطويلة التي يذكر فيها صاحبته مية التي أولها:
Página 325