Purificación del Corán de las calumnias

Al-Qadi Abd al-Jabbar d. 415 AH
181

Purificación del Corán de las calumnias

تنزيه القرآن عن المطاعن

Géneros

وربما قيل في قوله تعالى (قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء) ألا يدل ذلك على انه الفاعل لكل شيء وعلى ان العبد لا يفعل والا كان يتشابه فعله بفعل الله. وجوابنا ان قوله تعالى (قل هل يستوي الأعمى والبصير) زجر للعاصي والكافر بان شبهه بالأعمى وترغيب للمؤمن بأن شبهه بالبصير ونبه بقوله (أم جعلوا لله شركاء) على ان عباد الاصنام بمنزلة العميان في عبادتهم لها مع انها لا تنفع ولا تضر فهو معنى قوله (خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم) ثم بين انه الخالق للنعم التي يستوجب عندها العبادة فلا تليق العبادة الا به ولا مدخل لافعال العباد في ذلك وقد بينا من قيل وجوها في ان قوله تعالى (خالق كل شيء) لا يدل الا على ان المقدر من هذه الاجسام والنعم من قبله فلا وجه لا يراد ذلك وبين تعالى ما أراده بقوله من بعد (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها) فدل بذلك على مراده وقال بعده (كذلك يضرب الله الحق والباطل) ثم قال بعده (كذلك يضرب الله الأمثال للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له) بأن عصوا وخالفوا ثم قال (أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا الألباب) وبين صفة ذوي الالباب فقال (الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية ويدرؤن بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) فانظر أيها القارئ لكتاب الله كيف صفة من ينال الحسنى ويفوز بثوابها وكيف صفة ذلك الثواب العظيم فانه جل جلاله لم يقتصر على أن لهم الجنة حتى بين أن من صلح من الاقربين يحصل معهم هتاك ممن كلف ويحصل معهم من لم يكلف أيضا من الذرية وأن الله تعالى يأمر ملائكته بالدخول عليهم في كل وقت بالسلام والتحية ويعرفونهم أن كل ذلك جزاء لهم على ما صبروا فانهم صبروا قليلا فدام لهم ذلك الملك والنعيم فهو معنى قوله (فنعم عقبى الدار) لانها دائمة على عظم نعمها وخلوصها من كل شائبة ثم انه تعالى ذكر خلاف ذلك فيمن خالف ربه وعصى فقال (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) فالملائكة تلعنهم حالا بعد حال عن أنفسهم وعن ربهم ولهم سوء الدار وهو النار الدائمة التي عقابها خالص عن كل روح وراحة وقد حكى بعض الأئمة أنه سئل عن وصف المؤمن فتلا هذه الآية ولو أردنا أن نفسرها لطال الكتاب فان قوله (الذين يوفون بعهد الله) يدخل فيه القيام بسائر الواجبات التي عهدها الينا والقيام بكل الامانات والوفاء بكل العقود وكذلك كل فضل منه ثم بين تعالى (أنه) (يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا) يعني أهل النار ثم قال (وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع) وقوله بعد ذلك (ويهدي إليه من أناب) يدل على أن المراد بالهداية ما نقول من الاثابة وغيرها.

[مسألة]

وربما قيل في قوله تعالى (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله) أليس ذلك مخالفا لقوله في المؤمنين حيث قال (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم). وجوابنا أن الطمأنينة المذكورة هاهنا المراد بها المعرفة وسكون النفس الى المجازاة مع الوجل والخوف من المعاصي فالكلام متفق لان المؤمن ساكن النفس الى معرفة الله تعالى والى المجازات على الطاعات ومع ذلك خائف مما يخشاه من التقصير ووجل القلب فظن في مثل ذلك أنه مختلف اذ قد نادى على نفسه بقلة المعرفة ولذلك قال تعالى بعده (الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب ) وبين تعالى عظم شأن القرآن بقوله من بعد (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى). وجواب ذلك محذوف والمراد لكان هذا القرآن وذلك يدل على أنه في الفصاحة قد بلغ نهاية الرتبة وأنه صار معجزا لذلك.

[مسألة]

Página 203