قال: وهي اللحوم الرخوة وجه وخلف الأذان والأرنبة (فأمسكت الحمى بالمدينة) وقد ثبت أنه ﷺ دخل المدينة وهي وبيئة، وكانت كذلك في الجاهلية، وروى البيهقي عن هشام بن عروة قال (١): كان وباء المدينة معروفًا في الجاهلية، وكان إذا كان الوادي وبيئًا وأشرف عليه الإنسان، قيل له: أنهق نهيق الحمار، فكان إذا فعل ذلك لم يضره وباء ذلك الوادي، انتهى (٢).
وهاجر إليها ﷺ وهي وبيئة ومرض فيها أصحابه، فدعا ﷺ أن يُنقل إلى الجحفة، فنقل إليها (٣)، فكان الطير يمر بالجحفة فتقع ميتًا، فهذه الحمى التي نزل بها جبريل غير تلك، ولعلها أخف من التي نقلت منها، (وأرسلت الطاعون إلى الشام) وإنما أمسك ﷺ الحمى وأرسل الطاعون؛ لأنَّ الحمى أخف ألمًا، لأنَّ الطاعون يعم، ويهلك في أسرع الوقت، قال السيد نور الدين (٤): المشاهد عدم خلو المدينة عن الحمّى بخلاف الطاعون فإنها محفوظة منه، وكأنه ﷺ أرسل الطاعون إلى الشام، ثم استمر، وأنه تعالى أخبره أنه لا بد في هذه الأمة من الطاعون والحمَّى وأنه يختار لبلديه أيهما أخف، فاختار الأخف، وأرسل الآخر إلى الشام لأنه لا يخلو عن كافر، فيكون عليه رجسًا، بخلاف أهل المدينة فإنهم مؤمنون لا يسكنها كافر (فالطاعون شهادة لأمتي) أي المصاب به يكون له أجر شهيد إن مات به (ورحمة لهم) لأنه يكون به لهم أجر الشهداء أو لأنه يسرع بهم إلى رحمة الله (ورجس) بكسر الراء وسكون الجيم آخره مهملة هو العذاب (على الكافرين) لأنهم لا يؤجرون على ألم، ولأنه يسرع بهم إلى عذاب الله (حم وابن
(١) انظر: دلائل النبوة للبيهقي (٢/ ٥٦٨)، والبداية والنهاية لابن كثير (٣/ ٢٢٣).
(٢) فتح الباري (٧/ ٢٦٢).
(٣) قال الخطابي وغيره: كان ساكنو الجحفة في ذلك الوقت يهودًا.
(٤) انظر: وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى لنور الدين السمهودي (١/ ٦١).