فجميع ما ذكرنا محتمل لإيراد البخاري هذا الحديث في آخر ((صحيحه))، فإن في مقاصده في تراجم هذا الكتاب وترتيبه إياه على هذه الأبواب أسرارا عجيبة، وأمورا غريبة، يحار فيها المتأملون: {وما يعقلها إلا العالمون}. قال مصنفه -رحمه الله تعالى-: فهذه لمحة يسيرة، ولمعة منيرة، مثيرة كل معنى لطيف، من معاني هذا الحديث الشريف، مشيرة إلى ما فيه من بديع جوامع الكلم، وضروب العلوم، وفنون الحكم المقتبسة من مشكاة السراج المنير، المكتسبة له صلى الله عليه وسلم من إيحاء العلي الكبير، المشار إلى شرفها الأعلى بقوله تعالى: {إن هو إلا وحي يوحى}، ذكرناها ليتنبه ذو البصيرة على ما وراءها من معاني الأحاديث الخطيرة، ولئلا يقنع طالب من الحديث باسمه، ولا يكتفي من التحديث برسمه، فإثارة معاني الآثار فعل الأثبات، وقد قلت في معنى ذلك هذه الأبيات:
خذ الحديث وجل بالفكر فيه تجد ... به جوامع علم منه تقتسم
ولا يكن حظك التحديث منه فقط ... علم بلا خبرة نقص بمن علموا
فذو البصيرة أعلى من ذوي بصر ... أما سمعت مقالا قاله فهم
وما انتفاع أخي الدنيا بناظره ... إذا استوت عنده الأنوار والظلم؟!
فاسلك بنا ربنا سبل الألى عملوا ... بعلمهم وأنلنا مثلما غنموا
لأنهم فتحوا بالعلم أعينهم ... كما بخير فعال عمرهم ختموا
آخر الجزء. ولله الحمد حمدا كثيرا طيبا طاهرا مباركا فيه وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
Página 142