قال مصنفه -رحمه الله تعالى-: ومن الإشارة أنواع ترجع إلى معنى واحد، ومنها: الوحي، ومن أمثلتها التي في القرآن قول الله عز وجل: {فأوحى إلى عبده ما أوحى}، ويقرب من هذا النوع الإرداف والتبليغ والكناية، ووجه بلاغة هذه الأنواع واحد، كما قال القاضي عياض، وكلها راجعة إلى المبالغة في الوصف والإيجاز، وإذا تأملت هذا الحديث رأيت له من هذه البلاغة حظا وافرا، ووجدته عن وجه المعاني الكثيرة سافرا؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم : ((حبيبتان إلى الرحمن))، ردف عن روادف المحبة التي هي من صفات الرب -جل وعلا- فاكتفى صلى الله عليه وسلم بذلك عما يتعلق بمحبة الرب -عز وجل- وما يتحصل منها للعبد من خيري الدنيا والآخرة، فهذا من نوع الإرداف ودخوله في الوحي والإشارة بأنه لما كان معنى محبة الله -عز وجل- يقتضي أمورا، وكان ذكر الرحمن معها إلى أشياء من اللطائف مشيرا، ويظهر منهما لذوي البصيرة المعاني الحسان رمز عن ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : ((حبيبتان إلى الرحمن))، وذهب بذلك من الإيجاز مذهب البلاغة والبيان.
ومنه المماثلة، وهي أن يريد المتكلم معنى فيأتي بعبارة تكون موضوعة لمعنى آخر ينبئ بذلك عن المعنى الذي أراده، وقوله صلى الله عليه وسلم : ((حبيبتان إلى الرحمن)).
أريد به -والله أعلم- أن الرحمن -عز وجل- يحب قائلهما قال الله عز وجل في هذا الحديث: ((ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)).
Página 131