الغرض من تأليف الكتاب
...
تنبيه ذوي الألباب السليمة عن والوقوع في الإلفاظ المبتدعة الوخيمة
تأليف: سليمان بن سحمان النجدي الحنبلي
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
من سليمان بن سحمان، إلى جناب عالي الجناب، الأخ المكرم الأخشم الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع سلمه الله تعالى وهداه، وحفظه وتولاه، وجعله من حزبه وأوليائه، الذين يغضبون لغضبه، ويرضون لرضاه، آمين،
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأزكى وأشرف تحياته
أما بعد: فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وهو للحمد أهل وهو على كل شيء قدير، على ما أولاه من نعمه وصرف عنا من نقمه، والخط الشريف وصل وصلك الله إلى خيري الدنيا والأخرى، وما ذكرته كان معلوما خصوصا ما ذكرته من جهة المرزوقي فاعلم يا أخي أنه قد تبينت لنا حاله، فلا يروج علينا في الإخوان ما لفه وقاله، فلا يهمنك أمره، وقد اجتمعنا بك في البحرين ولم نسمع منك إلا ما يسرنا من حسن العقيدة ومحبة هذه الدعوة وأهلها والسعي في نشر ما ذكره وألفه شيخ الإسلام، وقدوة العلماء الأعلام، الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أجزل الله له الأجر والثواب، فلا نقبل بعد ذلك إلا ما تحققناه بأن لنا كالشمس في نحر الظهيرة. والقول السديد والكواكب الدرية وصلت إلينا فلما قرأت ديباجة الكواكب الدرية ومر بسمعي قولك: وقد كنت قرأت في تراجم بعض الأفاضل من الحنابلة، كالشيخ العلامة حسن الشطي، والشيخ الإمام
1 / 2
محمد بن علي بن سلوم، لم تسمح نفسي بسماعها، بعد أن ذكرت هذين الرجلين، لأنه قد كان من المعلوم عندنا لما تحققناه من مشايخنا، أن محمد بن علي بن سلوم ليس هو من أئمة أهل الإسلام، ولا من الأفاضل الأعلام، بل كان ممن شرق بهذا الدين ولم يرفع به رأسا، بل عاداه وعادى أهله، واتبع غير سبيل المؤمنين، وكان من المعلوم أيضا عندنا أن آل الشطي من أئمة الضلال وممن يدعو إلى دعاء الأنبياء والأولياء والصالحين، ويجيزون الاستغاثة بهم في المهمات والملمات، ومن هذا سبيله فليس هو من الأئمة الأعلام ولا من أفاضل أهل الإسلام، وإن كانوا من الحنابلة.
ثم إني بعد برهة من الزمان أشرفت على ورقة اعترض صاحبها على أشياء مما في هذين الكتابين مما يخالف ما ذكره المحققون من أهل السنة والجماعة الذين هم الأسوة وبهم القدوة، وقد ذكرت لي أني إن عثرت على شيء مما يذكره المعارضون لها مما يخالف الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة وأئمتها أني أبين ذلك لك وأنك ترجع في ذلك إلى الحق والصواب مما قاله السلف الصالح رضوان الله عليهم وهذا هو الحق على من كان مقصوده طلب الحق والانصاف، وترك التعصب والاعتساف، فلما تأملت ما في هذه الورقة وقابلتها بما في هذين الكتابين من الأشياء المخالفة لما عليه المحققون من السنة والجماعة أحببت أن أنبهك على ذلك.
معنى صلاة الله على رسوله وصلاة الناس والملائكة عليه ومذهب السلف في الإيمان بالإستواء وترك التعمق بنفي المماسة والعكس والحلول ... فمن ذلك ما ذكره الشارح على قوله: * ثم الصلاة والسلام سرمدا* قال: الصلاة من الله الرحمة، ومن
معنى صلاة الله على رسوله وصلاة الناس والملائكة عليه ومذهب السلف في الإيمان بالإستواء وترك التعمق بنفي المماسة والعكس والحلول ... فمن ذلك ما ذكره الشارح على قوله: * ثم الصلاة والسلام سرمدا* قال: الصلاة من الله الرحمة، ومن
1 / 3
الملائكة الاستغفار ومن غيرهم التضرع والدعاء بخير. وهذا خطأ، والصواب: ما ذكره البخاري في صحيحه عن أبي العالية قال: صلاة الله ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى. وإذا كان هذا الصواب في المسألة فلا ينبغي للعالم أن يترك ما هو الراجح المقطوع به ويذكر القول المرجوح الذي لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا ذكره المحققون من أهل العلم وإن كانت هذه المسألة أخف مما بعدها، والله المستعان.
ومنها ما ذكره في الكواكب في صفحة أربعة وعشرين قال في معنى الاستواء: "استواء منزها عن المماسة والتمكن والحلول". فاعلم أن هذا القول قول مبتدع مخترع لم يذكره أحد من أهل العلم من سلف هذه الأمة وأئمتها الذين لهم قدم صدق في العالمين، وقد تقرر أن مذهب السلف وأئمة الإسلام عدم الزيادة والمجاوزة لما في الكتاب والسنة وأنهم يقفون وينتهون حيث وقف الكتاب والسنة وحيث انتهيا.
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: لا يوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله ﷺ. انتهى. وذلك لعلمهم بالله وعظمته في صدورهم وشدة هيبتهم له وعظيم جلاله، ولفظ المماسة لفظ مخترع مبتدع، لم يقله أحد ممن يقتدى به ويتبع، فإن أريد به نفي ما دلت عليه النصوص من الاستواء والعلو والارتفاع والفوقية، فهو قول باطل ضال قائله، مخالف للكتاب والسنة ولإجماع سلف الأمة مكابر للعقول الصحيحة والنصوص الصريحة وهو جهمي لا ريب من جنس ما قبله،
1 / 4
وإن لم يرد هذا المعنى بل أثبت العلو والفوقية والارتفاع الذي دل عليه لفظ الاستواء فيقال فيه: هو مبتدع ضال، قال في الصفات قولا مشتبها موهما، فهذا اللفظ لا يجوز نفيه ولا إثباته، والواجب في هذا الباب متابعة الكتاب والسنة والتعبير بالعبارات السلفية الإيمانية، وترك المتشابه. هذا ما ذكره شيخنا الشيخ عبد اللطيف بن الشيخ عبد الرحمن بن حسن في جوابه على بعض الجهمية.
وأما قول الشارح في صفحة خمس وعشرين منه: فمذهب السلف الصالح أن الله تعالى مستو على عرشه حقيقة من غير مماسة، فقوله من غير مماسة، قول على السلف بلا علم ولا برهان كما قدمنا بيانه، اللهم إلا أن يكون من قول بعض من ينتسب إلى السلف من أهل الكلام الذين لا يعتد بقولهم، ولا يعول عليه في هذا الباب لأن هذا الفظ لم يرد في كتاب، ولا سنة، ولا قول صاحب، ولا قول أحد من الأئمة. زمن زعم هذا فعليه الدليل.
قول ابن الماجشون في الإيمان بالصفات بدون بحث في الكيفية ... والدليل على بطلان هذه الزيادة ما قاله الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، وهو أحد أئمة المدينة الثلاثة الذين هم: مالك بن أنس، وابن الماجشون، وابن أبي ذئب. وقد سئل عما جحدت الجهمية: "أما بعد: فقد فهمت ما سألت فيما تتابعت الجهمية ومن خالفها في صفة الرب العظيم الذي فاقت عظمته الوصف والتقدير، وكلت الألسن عن تفسير صفته، وانحسرت العقول دون معرفة قدره، وردت عظمته العقول فلم تجد مساغا فرجعت خاسئة وهي حسيرة، وإنما أمروا بالنظر والتفكر فيما خلق بالتقدير
قول ابن الماجشون في الإيمان بالصفات بدون بحث في الكيفية ... والدليل على بطلان هذه الزيادة ما قاله الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون، وهو أحد أئمة المدينة الثلاثة الذين هم: مالك بن أنس، وابن الماجشون، وابن أبي ذئب. وقد سئل عما جحدت الجهمية: "أما بعد: فقد فهمت ما سألت فيما تتابعت الجهمية ومن خالفها في صفة الرب العظيم الذي فاقت عظمته الوصف والتقدير، وكلت الألسن عن تفسير صفته، وانحسرت العقول دون معرفة قدره، وردت عظمته العقول فلم تجد مساغا فرجعت خاسئة وهي حسيرة، وإنما أمروا بالنظر والتفكر فيما خلق بالتقدير
1 / 5
وإنما يقال "كيف" لمن لم يكن مرة ثم كان، فأما الذي لا يحول ولا يزول ولم يزل وليس له مثل فإنه لا يعلم كيف هو إلا هو، وكيف يعرف قدر من لم يعد زمن لم يمت ولا يبلى، وكيف يكون لصفة شيء منه حد أو منتهى يعرفه عارف أو يحد قدره واصف، على أنه الحق المبين لا حق أحق منه ولا شيء أبين منه، الدليل على عجز العقول عن تحقيق صفته، عجزها عن تحقيق صفة أصغر خلقه، لا تكاد تراه صغرًا يحول ويزول ولا يرى له سمع ولا بصر لما يتقلب به ويحتال من عقله اعضل بك وأخفى عليك لما ظهر من سمعه وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين وخالقهم، وسيد السادة ربهم ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ اعرف رحمك الله غناك عن تكلف صفة ما لم يصف الرب نفسه بعجز عن معرفة قدر ما وصف منها، إذا لم تعرف قدر ما وصف منها فما تكلفك على ما لم يصف؟ هل تستدل بذلك على شيء من طاعته، أو تنزجر به عن شيء من معصيته، فأما الذي جحد ما وصف الرب من نفسه تعمقا وتكلفا قد استهوته الشياطين في الأرض حيران، فصار يستدل بزعمه على جحد ما وصف الرب وسمى من نفسه بأن قال لابد إن كان له كذا من أن يكون له كذا فعمى عن البين بالخفي ويجحد ما سمى الرب بصمت الرب عن ما لم يسم منها" إلى آخر كلامه ﵀.
سكوت السلف عما عما تكلفه المتكلمون من نفي الجوهر والعرض والجسم عنه تعالى ... والمقصود من ذلك قوله: اعرف رحمك الله غناك عن تكلف صفة ما لم يصف الرب نفسه بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها، إذا لم
سكوت السلف عما عما تكلفه المتكلمون من نفي الجوهر والعرض والجسم عنه تعالى ... والمقصود من ذلك قوله: اعرف رحمك الله غناك عن تكلف صفة ما لم يصف الرب نفسه بعجزك عن معرفة قدر ما وصف منها، إذا لم
1 / 6
تعرف قدر ما وصف فما تكلفك علم ما لم يصف؟ وقوله: ويجحد ما سمى الرب من نفسه بصمت الرب عن ما لم يسم منها والله ﷾ لم يصف نفسه في كتابه ولا وصفه رسوله ﷺ في سنته بأنه استوى على العرش استواء منزها على المماسة ولتمكن والحلول وقد ذكرت بعد هذا ما ذكره الإمام ربيعة بن عبد الرحمن، والإمام مالك، والإمام الشافعي، والإمام أحمد، وإمام الأئمة محمد بن خزيمة رحمهم الله تعالى ولم يذكر أحد منهم هذا القول المخترع المبتدع ولو كان هذا مذهب السلف لذكره أئمتهم المذكورون فعلم أن هذا ليس هو مذهب السلف الصالح، والله أعلم.
"ومنها" ما ذكره في الكواكب أيضا على قوله:
وليس ربنا بجوهر ولا ... عرض ولا جسم تعالى ذو العلا
فاعلم وفقني الله وإياك للعلم النافع والعمل الصالح أن لفظ الجوهر والعرض والجسم ألفاظ مبتدعة مخترعة لم يرد بنفيها ولا إثباتها كتاب ولا سنة ولا قول صاحب ولا أحد من أئمة التابعين ولا من بعدهم من الأئمة المهتدين الذين يعتد بقولهم في هذا الباب، فإذا تحققت ذلك فهذه الألفاظ التي لم يرد نفيها ولا إثباتها لا تطلق حتى ينظر في مقصود قائلها، فإن كان معنى صحيحا قبل، لكن ينبغي التعبير عنه بألفاظ النصوص دون الألفاظ المجملة إلا عند الحاجة مع قرائن تبين المراد مثل أن يكون الخطاب مع من لا يتم المقصود معه إن لم يخاطب بها ونحو ذلك، فإذا تبين هذا فالواجب على من منحه الله العلم والمعرفة أن ينظر في هذا الباب أعني باب الصفات فما أثبته الله
1 / 7
ورسوله أثبته، وما نفاه الله ورسوله نفاه. والألفاظ التي ورد بها النص يعتصم بها في الإثبات والنفي، فنثبت ما أثبته الله ورسوله من الألفاظ والمعاني، ونفي ما نفته نصوصها من الألفاظ والمعاني. وأما كون شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه وتلميذه ابن القيم ما لا إلى أنه لا وجود للجوهر الفرد، فحق ولكن المقصود بذلك الرد على من أثبت الجوهر الفرد وأنه لا حقيقة لوجوده، ولا يلزم من ذلك إذا رده ونفاه أنه يرى أن إطلاق هذه الألفاظ على الله نفيا وإثباتا جائز، فقد ذكر ﵀ في بعض أجوبته ما نصه: فإن ذكر لفظ الجسم في أسماء الله تعالى بدعة لم ينطق بها كتاب ولا سنة ولا قالها أحد من سلف الأمة وأئمتها ولم يقل أحد منهم أن الله تعالى جسم، ولا أن الله تعالى ليس بجسم، ولا أن الله تعالى جوهر، ولا أن الله تعالى ليس بجوهر، انتهى. وكما صرح بذلك فيما ذكرناه عنهما وفي بعض مواضع أخر خلافا لما ذكره الناظم وأقره الشارح.
إذا تقرر هذا فلا بد من ذكر كلام أئمة أهل السنة على هذه الألفاظ المبتدعة المخترعة التي أدخلها بعض المنتسبين إلى السنة من أهل الكلام وغيرهم في العقائد ونسبها بعضهم إلى مذهب السلف رضوان الله عليهم، وذلك مثل لفظ الجوهر والجسم، والأعراض، والأغراض، والأبعاض والحدود، والجهات، وحلول، والحوادث وغيرها. قال شيخ الإسلام بن تيمية قدس الله روحه: وكانت المعتزلة تقول: إن الله منزه عن الأعراض، والأبعاض والحوادث والحدود، ومقصودهم نفي الصفات ونفي الأفعال
1 / 8
ونفي مباينة للخلق وعلوه على العرش، وكانوا يعبرون عن مذهب أهل الإثبات أهل السنة بالعبارات المجملة التي تشعر الناس بفساد المذهب، فإنهم إذا قالوا: إن الله منزه عن الأعراض لم يكن في ظاهر العبارة ما ينكر، لأن الناس يفهمون من ذلك أنه منزه عن الاستحالة والفساد كالأعراض التي تعرض لبني آدم من الأمراض والأسقام، ولا ريب أن الله منزه عن ذلك، ولكن مقصودهم: أنه ليس له علم ولا قدرة ولا حياة ولا كلام قائم به، ولا غير ذلك من الصفات التي يسمونها أعراضا- وكذلك إذا قالوا: إن الله منزه عن الحدود والأحياز والجهات، أوهموا الناس بأن مقصودهم بذلك أنه لا تحصره المخلوقات، ولا تحوزه المصنوعات، وهذا المعنى صحيح، ومقصودهم به أنه ليس مباينا للخلق ولا منفصلا عنه، وأنه ليس فوق السموات رب، ولا على العرش إله، وأن محمدا لم يعرج إليه، ولم ينزل منه شيء، ولا يصعد إليه شيء، ولا يتقرب إليه بشيء، ولا ترفع الأيدي إليه في الدعاء ولا غيره، ونحو ذلك من معاني الجهمية. وإذا قالوا إنه ليس بجسم، أوهموا الناس أنه ليس من جنس المخلوقات، ولا مثل أبدان الخلق، وهذا معنى صحيح، ولكن مقصودهم بذلك: أنه لا يرى ولا يتكلم بنفسه ولا تقوم به صفة، ولا هو مباين للخلق، وأمثال ذلك. وإذا قالوا لا تحله الحوادث، أوهموا الناس أن مرادهم أنه لا يكون محلا للتغيرات والاستحالات، ونحو ذلك من الأحداث التي تحدث للمخلوقين فتحيلهم وتفسدهم، وهذا المعنى صحيح، ولكن مقصودهم بذلك: أنه ليس له فعل اختياري يقوم بنفسه ولا
1 / 9
له كلام ولا فعل يقوم به يتعلق بمشيئته وقدرته، وأنه لا يقدر على استواء أو نزول أو إتيان أو مجيء، وأن المخلوقات التي خلقها الله لم يكن منه عند خلقها فعل أصلا بل عين المخلوقات هي الفعل، ليس هناك فعل ومفعول وخلق ومخلوق بل المخلوق عين الخلق والمفعول عين الفعل ونحو ذلك، انتهى.
كلام ابن القيم في تنزيهه عن الأعراض والأغراض والأبعاض والحدود والحدوث والتشبيه والتركيب والجهات ... وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة": ويقولون نحن ننزه الله تعالى عن الأعراض والأغراض والأبعاض والحدود والجهات وحلول الحوادث، فيسمع الغر المخدوع هذه الألفاظ فيتوهم منها أنهم ينزهون الله عما يفهم من معانيها عند الإطلاق من العيوب والنقائص والحاجة، فلا يشك أنهم يمدحونه ويمجدونه ويعظمونه، ويكشف الناقد البصير ما تحت هذه الألفاظ فيرى تحتها الإلحاد وتكذيب الرسل وتعطيل الرب تعالى عما يستحقه من كماله – فتنزيههم عن الأعراض هو جحد صفاته كسمعه وبصره وحياته وعلمه وكلامه وإرادته، فإن هذه أعراض له عندهم لا تقوم إلا بجسم، فلو كان متصفا بها، لكان جسما، وكانت أعراضا له، وهو منزه عن الأعراض. وأما الأغراض فهي الغاية والحكمة التي لأجلها يخلق ويفعل ويأمر وينهى ويثيب ويعاقب، وهي الغايات المحمودة المطلوبة من أمره ونهيه وفعله، فيسمونها أغراضا منه وعللا ينزهونه عنها. وأما الأبعاض فمرادهم بتنزيهه عنها: أنه ليس له وجه ولا يدان ولا يمسك السموات على أصبع، والأرض على إصبع، والشجر على أصبع، والماء على أصبع، فإن ذلك كله أبعاض والله منزه عن الأبعاض.
كلام ابن القيم في تنزيهه عن الأعراض والأغراض والأبعاض والحدود والحدوث والتشبيه والتركيب والجهات ... وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في "الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة": ويقولون نحن ننزه الله تعالى عن الأعراض والأغراض والأبعاض والحدود والجهات وحلول الحوادث، فيسمع الغر المخدوع هذه الألفاظ فيتوهم منها أنهم ينزهون الله عما يفهم من معانيها عند الإطلاق من العيوب والنقائص والحاجة، فلا يشك أنهم يمدحونه ويمجدونه ويعظمونه، ويكشف الناقد البصير ما تحت هذه الألفاظ فيرى تحتها الإلحاد وتكذيب الرسل وتعطيل الرب تعالى عما يستحقه من كماله – فتنزيههم عن الأعراض هو جحد صفاته كسمعه وبصره وحياته وعلمه وكلامه وإرادته، فإن هذه أعراض له عندهم لا تقوم إلا بجسم، فلو كان متصفا بها، لكان جسما، وكانت أعراضا له، وهو منزه عن الأعراض. وأما الأغراض فهي الغاية والحكمة التي لأجلها يخلق ويفعل ويأمر وينهى ويثيب ويعاقب، وهي الغايات المحمودة المطلوبة من أمره ونهيه وفعله، فيسمونها أغراضا منه وعللا ينزهونه عنها. وأما الأبعاض فمرادهم بتنزيهه عنها: أنه ليس له وجه ولا يدان ولا يمسك السموات على أصبع، والأرض على إصبع، والشجر على أصبع، والماء على أصبع، فإن ذلك كله أبعاض والله منزه عن الأبعاض.
1 / 10
وأما الحدود والجهات فمرادهم بتنزيهه عنها: أنه ليس فوق السموات رب، ولا على العرش إله، ولا بشار إليه بالأصابع إلى فوق كما يشار إليه أعلم الخلق به، ولا ينزل منه شيء، ولا يصعد إليه شيء، ولا تعرج الملائكة والروح إليه، ولا رفع المسيح إليه، ولا عرج برسوله محمد رسول الله ﷺ إليه إذ لو كان كذلك لزم إثبات الحدود والجهات وهو منزه عن ذلك.
وأما حلول الحوادث فيريدون به أن لا يتكلم بقدرته ومشيئته، ولا ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا ولا يأتي يوم القيامة ولا يجيء ولا يغضب بعد أن كان راضيا، ولا يرضى بعد أن كان غضبانا ولا يقوم به فعل البتة، ولا أمر مجدد بعد أن لم يكن، ولا يريد شيئا بعد أن لم يكن، ولا يريد شيئا بعد أن لم يكن مريدًا له، فيقول له كن حقيقة ولا استوى على عرشه بعد أن لم يكن مستويا، ولا يغضب يوم القيامة غضبا لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله ولا ينادي عباده يوم القيامة بعد أن لم يكن مناديا لهم ولا يقول للمصلي إذا قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ حمدني عبدي، فإذا قال: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قال: أثنى علي عبدي، فإذا قال: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ قال: مجدني عبدي، فإن هذه كلها حوادث وهو منزه عن حلول الحوادث.
إلى أن قال: واعلم أن لفظ الجسم لم ينطق به الوحي إثباتا، فيكون له الإثبات، ولا نفيا، فيكون له النفي، فمن أطلقه أو إثباتا سئل عما أراد، فإن قال: أردت الجسم معناه في لغة العرب وهو البدن الكثيف الذي لا يسمى في اللغة جسم سواه، فلا يقال للهواء جسم لغة، ولا للنار ولا للماء فهذه اللغة وكتبها بين أظهرنا فهذا المعنى منفي عن الله عقلا
1 / 11
وسمعا. وإن أردتم به مركب من المادة والصورة، والمركب من الجوهر الفرد، فهذا منفي عن الله قطعا، والصواب نفيه عن الممكنات أيضًا، فليس جسم المخلوق مركبا من هذا ملا من هذان وإن أردتم بالجسم ما يوصف بالصفات ويرى بالأبصار ولا يتكلم ويكلم ويسمع ويبصر ويرضى ويغضب فهذه المعاني ثابتة لله تعالى وهو موصوف بها فلا ننفيها عنه بتسميتكم للموصوف بها جسما – إلى أن قال: وإن أردتم بالجسم ما يشار إليه حسية، فقد أشار أعرف الخلق به بأصبعه رافعا بها إلى السماء بمشهد الجمع الأعظم، مستشهدا له لا للقبلة، وإن أردتم بالجسم ما يقال له أين؟ فقد سأل أعلم الخلق به عنه بأين منبها على علوه على عرشه، وسمع السؤال باين وأجاب عنه، ولم يقل: هذا السؤال إنما يكون عن الجسم، وأنه ليس بجسم، وإن أردتم بالجسم ما يلحقه "من" و"إلى" فقد نزل جبريل من عنده وعرج برسوله إليه، وإليه يصعد الكلام الطيب، وعبده المسيح رفع إليه. وإن أردتم بالجسم ما يتميز منه أمر غير أمر، فهو سبحانه موصوف بصفات الكمال جميعها من السمع والبصر والعلم والقدرة والحياة، وهذه صفات متميزة متغايرة ومن قال إنها صفة واحدة، فهو بالمجانين أشبه منه بالعقلاء، وقد أعلم الخلق به: "أعوذ برضاك من سخطك" الحديث – قال وأما استعاذته ﷺ به منه باعتبارين مختلفين، فإن الصفة المستعاذ بها والصفة المستعاذ منها صفتان لموصوف واحد، ورب واحد، فالمستعيذ بإحدى الصفتين من الأخرى مستعيذ بالموصوف بهما منه – وإن أردتم بالجسم
1 / 12
ما له وجه ويدان وسمع وبصر، فنحن نؤمن بوجه ربنا الأعلى وبيديه وبسمعه وبصره وغير ذلك من صفاته التي أطلقها على نفسه، وإن أردتم بالجسم ما يكون فوق غيره ومستويا على غيره فهو سبحانه فوق عباده مستو على عرشه.
وكذلك إن أردتم بالتشبيه والتركيب هذه المعاني التي دل عليها الوحي والعقل فنفيكم لها بهذه الألقاب المنكرة خطأ في اللفظ والمعنى وجناية على ألفاظ الوحي، أما الخطأ اللفظي فتسميتكم الموصوف بذلك جسما مركبا مؤلفا مشبها بغيره وتسميتكم هذه الصفات تركيبا وتجسيما وتشبيها، فكذبتم على القرآن وعلى الرسول وعلى اللغة ووضعتم لصفاته ألفاظا منكم بدأت وإليكم تعود، وأما خطأكم في المعنى فنفيكم وتعطيلكم لصفات كماله بواسطة هذه التسمية والألقاب فنفيتم المعنى الحق وسميتموه بالاسم المنكر.
إلى أن قال: وكذلك إذا قال الفرعوني لو كان على السموات رب أو على العرش إله لكان مركبا، قيل له لفظ المركب في اللغة هو الذي ركبه غيره في محله، كقوله تعالى ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾ وقولهم ركبت الخشبة والباب وما يركب من أخلاط أجزاء بحيث كانت أجزاؤه مفرقة فاجتمعت وركبت حتى صار شيئا واحدا كقولهم ركبت الدواء من كذا وكذا، وإن أردتم بقولكم لو كان فوق العرش كان مركبا هذا التركيب المعهود وأنه كان متفرقا فاجتمع فهو كذب وفرية وبهت على الله وعلى الشرع وعلى العقل، وإن أردتم أنه لو كان فوق العرش لكان عاليا على خلقه
1 / 13
بائنا منهم مستويا على عرشه ليس فوقه شيء فهذا المعنى حق، فكأنك قلت: لو كان فوق العرش لكان فوق لعرش فنفيت الشيء بتغيير العبارة وقبلها إلى عبارة وأخرى وهذا شانكم في أكثر مطالبكم.
وإن أردتم بقولكم كان مركبا أنه يتميز منه شيء عن شيء فقد وصفته أنت بصفات يتميز بعضها من بعض فهل كان عندك هذا تركيبا؟ فلا أثبت له صفة واحدة فرار من التركيب، قيل لك العقل لم يدل على نفي المعنى الذي سميته أنت مركبا، وقد دل الوحي والعقل والفطرة على ثبوته أتننفيه بمجرد تسميتك الباطلة؟ فإن التركيب يطلق ويراد به خمسة معان:
(١) تركيب الذات من الوجود والماهية عند من يجعل وجودها زائدًا على ما هيتها، فإذا نفيت هذا جعلته وجودًا مطلقا إنما هو في الأذهان لا وجود له في الأعيان.
" الثاني " تركيب الماهية من الذات والصفات فإذا نفيت هذا التركيب جعلته ذاتا مجردة عن كل وصف لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم ولا يقدر ولا يريد ولا حياة له ولا مشيئة ولا صفة أصلا فكل ذات في المخلوقات من هذه الذات، فاستفدت بهذه التركيب كفرك بالله وجحدك لذاته ولصفاته وأفعاله.
" الثالث " تركيب الماهية الجسمية من الهيولي والصورة كما يقوله الفلاسفة.
1 / 14
" الرابع " التركيب من الجواهر الفردة كما يقوله كثير من أهل الكلام.
" الخامس " تركيب الماهية من أجزاء كانت متفرقة فاجتمعت وتركبت، فإن أردت بقولك لو كان فوق العرش لكان مركبا كما يدعيه الفلاسفة والمتكلمون قيل لك: جمهور العقلاء عندهم أن الأجسام المحدثة المخلوقة ليست مركبة لا من هذا ولا من هذا فلو كان فوق العرش جسم مخلوق ومحدث لم يلزم أن يكون مركبا بهذا الاعتبار فكيف ذلك في حق خالق الفرد والمركب الذي يجمع المتفرق ويفرق المجتمع ويؤلف بين الأشياء فيركبها كما يشاء؟ والعقل إنما دل على إثبات إله واحد ورب واحد لا شريك له ولا شبيه له لم يلد ولم يولد، ولم يدل على أن ذلك الرب الواحد لا اسم له ولا صفة له، ولا وجه ولا يدين، ولا هو فوق خلقه، ولا يصعد إليه شيء، ولا ينزل منه شيء، فدعوى ذلك على العقل كذب صريح عليه كما هي كذب صريح على الوحي وكذلك قولهم ننزهه عن الجهة إن أردتم أنه منزه عن جهة وجودية تحيط به وتحويه إحاطة الظرف بالمظروف فنعم هو أعظم من ذلك وأكبر وأعلى، ولكن لا يلزم من كونه فوق عرشه هذا المعنى.
وإن أردتم بالجهة أمرًا يوجب مباينة الخالق للمخلوق وعلوه على خلقه واستواءه على عرشه فنفيكم بهذا المعنى باطل وتسميته جهة وقلتم منزه عن الجهات وسميتم العرش حيزًا وقلتم ليس بمتحيز وسميتم الصفات أعراضًا وقلتم الرب منزلة عن الأعراض، وسميتم كلامه بمشيئة ونزوله إلى سماء الدنيا ومجيئة يوم القيامة لفصل القضاء بمشيئته وإرادته المقارنة لمرادها وإدراكه المقارن
1 / 15
لوجود المدرك وغضبه إذا عصي ورضاه إذا أطيع، وفرحه إذا تاب إليه العباد، ونداءه لموسى حين أتى الشجرة، ونداءه للأبوين حين أكلا من الشجرة، ونداءه لعباده يوم القيامة، ومحبته لمن كان يبغضه حال كفره ثم صار يحبه بعد إيمانه، وربوبيته التي هو كل يوم هو في شأن "حوادث". وقلتم هو منزه عن حلول الحوادث وحقيقة هذا التنزيه أنه متنزه عن الوجود وعن الربوبية وعن الملك وعن كونه فعالا لما يريد بل عن الحياة والقيومية.
فانظر ماذا تحت تنزيه المعطلة النفاة بقولهم ليس بجسم ولا جوهر ولا مركب ولا تقوم به الأعراض ولا يوصف بالأبعاض ولا يفعل بالأغراض ولا تحله الحوادث ولا تحيط به الجهات ولا يقال في حقه أين وليس بمتحيز كيف كسوا حقائق أسمائه وصفاته وعلوه على خلقه واستوائه على عرشه وتكليمه لخلقه ورؤيتهم له بالأبصار في دار كرامته هذه الألفاظ ثم توسلوا إلى نفيها بواسطتها وكفروا وضللوا من أثبتها واستحلوا منه ما لم يستحلوه من أعداء الله من اليهود والنصارى، فالله الموعد وإليه التحاكم، وبين يديه التخاصم.
نحن وإياهم نموت ولا ... أفلح يوم الحساب من ندما
انتهى.
كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في ذلك ... وقال شيخ الإسلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في رسالته إلى عبد الله بن سحيم، وقد طلب منه أن يذكر له شيئا من معنى كتاب الموليس، فقال ﵀ في الجواب بعد كلام له: وذلك أن كتابه مشتمل على الكلام في ثلاثة أنواع من العلوم "الأول" علم الأسماء والصفات الذي
كلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في ذلك ... وقال شيخ الإسلام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في رسالته إلى عبد الله بن سحيم، وقد طلب منه أن يذكر له شيئا من معنى كتاب الموليس، فقال ﵀ في الجواب بعد كلام له: وذلك أن كتابه مشتمل على الكلام في ثلاثة أنواع من العلوم "الأول" علم الأسماء والصفات الذي
1 / 16
يسمى علم أصول الدين ويسمى أيضا العقائد. "والثاني" الكلام على التوحيد والشرك. "والثالث" الاقتداء بأهل العلم واتباع الأدلة وترك ذلك.
أما الأول فإنه أنكر على أهل الوشم إنكارهم على من قال ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض، وهذا الإنكار جمع اثنتين، أحدهما: أنه لم يفهم كلام ابن عيدان وصاحبه. "الثانية" أنه لم يفهم صورة المسألة وذلك أن مذهب الإمام أحمد وغيره من السلف أنهم لا يتكلمون في هذا النوع إلا بما تكلم به الله ورسوله فما أثبته الله لنفسه وأثبته رسوله أثبتوه، مثل: الفوقية والاستواء والكلام والمجيء وغير ذلك. وما نفاه الله عن نفسه ونفاه عنه رسوله ﷺ نفوه، مثل: المثل والند والسمي وغير ذلك. وأما ما لا يوجد عن الله ورسوله إثباته ولا نفيه مثل الجوهر والعرض والجهة وغير ذلك لا يثبتونه، فمن نفاه مثل صاحب الخطبة التي أنكرها ابن عبدان وصاحبه فهو عند أحمد والسلف مبتدع، ومن أثبته مثل هشام بن الحكم وغيره فهو عندهم مبتدع والواجب عندهم السكوت عن هذا النوع اقتداء بالنبي ﷺ وأصحابه – إلى أن قال: وأنا أذكر لك كلام الحنابلة في هذه المسألة:
كلام الشيخ ابن تيمية في ذلك ... قال الشيخ تقي الدين بعد كلام له على من قال إنه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ككلام صاحب الخطبة، قال رحمه الله تعالى: فهذه الألفاظ لا يطلق إثباتها ولا نفيها كلفظ الجوهر والجسم والتحيز والجهة ونحو ذلك من الألفاظ، ولهذا لما سئل ابن سريج عن التوحيد فذكر توحيد المسلمين وقال: وأما توحيد أهل الباطل فهو الخوض في الجواهر والأعراض وإنما
كلام الشيخ ابن تيمية في ذلك ... قال الشيخ تقي الدين بعد كلام له على من قال إنه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ككلام صاحب الخطبة، قال رحمه الله تعالى: فهذه الألفاظ لا يطلق إثباتها ولا نفيها كلفظ الجوهر والجسم والتحيز والجهة ونحو ذلك من الألفاظ، ولهذا لما سئل ابن سريج عن التوحيد فذكر توحيد المسلمين وقال: وأما توحيد أهل الباطل فهو الخوض في الجواهر والأعراض وإنما
1 / 17
بعث النبي ﷺ بإنكار ذلك وكلام السلف والأئمة في ذم الكلام وأهله مبسوط في غير هذا الموضع. والمقصود أن الأئمة كأحمد وغيره إذا ذكر لهم أهل البدع الألفاظ المجملة كلفظ الجسم والجوهر والحيز لم يوافقوهم لا على إطلاق الإثبات ولا على إطلاق النفي. انتهى كلام الشيخ تقي الدين.
إذا تدبرت هذا عرفت أن إنكار ابن عبدان وصاحبه على الخطيب الكلام في هذا هو عين الصواب، وقد اتبعا في ذلك إمامهما أحمد بن حنبل وغيره في إنكارهم ذلك على المبتدعة ففهم صاحبكم أنهما يريدان إثبات ضد ذلك، وأن الله جسم، وكذا وكذا تعالى الله عن ذلك، وظن أيضا أن عقيدة أهل السنة هي نفي أنه لا حسم ولا جوهر ولا كذا وكذا وقد تبين لكم الصواب أن عقيدة أهل السنة هي السكوت، من أثبت بدعوه، ومن نفى بدعوه، فالذي يقول ليس بجسم ولا ولاهم الجهمية والمعتزلة والذين يثبتون ذلك هو هشام وأصحابه والسلف بريئون من الجميع من أثبت بدعوه، ومن نفى بدعوه. فالموليس لم يفهم كلام الأحياء ولا كلام الأموات، وجعل النفي الذي هو مذهب الجهمية والمعتزلة مذهب السلف وظهر أن من أنكر النفي أنه يريد الإثبات كهشام واتباعه ولكن العجب من ذلك استدلاله على فهمه بكلام أحمد المتقدم.
كلام الوفاء بن عقيل في ذلك ... ومن كلام أبي الوفاء بن عقيل قال: أنا أقطع أن أبا بكر وعمر ماتا وما عرفا الجوهر والعرض فإن رأيت أن طريقة أبي علي الجبائي أو أبي هشام خير
كلام الوفاء بن عقيل في ذلك ... ومن كلام أبي الوفاء بن عقيل قال: أنا أقطع أن أبا بكر وعمر ماتا وما عرفا الجوهر والعرض فإن رأيت أن طريقة أبي علي الجبائي أو أبي هشام خير
1 / 18
لك من طريقة أبي بكر وعمر فبئس ما رأبت انتهى.
وصاحبكم يدعي أن الرجل لا يكون من أهل السنة حتى يتبع أبا علي وأبا هاشم بنفي الجوهر والعرض فمن أنكر الكلام فيهما مثل أبي بكر وعمر فهو عنده على مذهب هشام الرافضي. فظهر بما قررناه أن الخطيب الذي يتكلم بنفي العرض والجوهر أخذه من مذهب الجهمية والمعتزلة، وأن ابن عبدان وصاحبه أنكر ذلك مثل ما أنكره أحمد والعلماء كلهم على أهل البدع. انتهى.
فتأمل رحمك الله ما تحت إطلاق هذه الألفاظ المبتدعة المخترعة التي خالف من وضعها سلف الأمة وأئمتها واغتر بها من حسن ظنه بهؤلاء الذين قلدوا من ابتدعها من المتكلمين، الذين ليس لهم قدم صدق في العالمين حيث أرادوا بها التنزيه، ووقعوا في التعطيل والتشبيه، فساروا على مناهجهم من غير دليل ولا برهان من الكتاب والسنة، ولا كلام أحد من الأئمة فالله المستعان.
وتأمل ما ذكر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب حيث قال: فمن نفاه - مثل صاحب الخطبة التي أنكرها ابن عيدان وصاحبه – فهو عند أحمد والسلف مبتدع والواجب عندهم السكوت عن هذا النوع اقتداء بالنبي ﷺ وأصحابه – إلى أن قال: وقد تبين لكم الصواب أن عقيدة أهل السنة هي السكوت من أثبت بدّعوه، ومن نفى بدّعوه، فالذي يقول ليس بجسم ولا ولاهم الجهمية والمعتزلة والذين يثبتون ذلك
1 / 19
هو هشام وأصحابه والسلف بريئون من الجميع، من أثبت بدعوه، ومن نفى بدعوه إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى.
الإيمان بأن القرآن كلام الله من غير وصفه بقدم أو حدوث ... "ومنها" ما ذكره الناظم بقوله: وإن ما جاء مع جبريل ... من محكم القرآن والتنزيل كلامه سبحانه قديم ... أعيا الورى بالنص يا عليم فقوله: *كلامه سبحانه قديم* هو من جنس ما قبله من الألفاظ المبتدعة المخترعة التي لم ينطق بها سلف الأمة وأئمتها والذي عليه أهل السنة والجماعة المخالفون لأهل البدع أن كلام الله ﷾ حادث الآحاد قديم النوع، وأنه يتكلم بمشيئته وقدرته إذا شاء لا يمتنع عليه شيء أراده وأن الله تعالى متصف بالأفعال الاختيارية القائمة به فهو سبحانه قد تكلم في الأزل بما شاء ويتكلم فيما لم يزل بقدرته ومشيئته بما أراد وهو الفعال لما يريد ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ وأهل البدع المخالفون للسلف ينفون ذلك ويسمون هذه الأفعال الاختيارية القائمة به ﷾ حلول الحوادث والله لا يكون محلا للحوادث ويريدون بهذا أن لا يتكلم بقدرته ومشيئته ولا ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا ولا يأتي يوم القيامة ولا يجيء ولا يغضب بعد أن كان راضيا ولا يرضى بعد أن كان غضبانا ولا يقوم به فعل البتة ولا أمر مجدد بعد أن لم يكن ولا يريد شيئا بعد أن لم يكن مريدا له فلا يقول له كن حقيقة ولا استوى على عرشه بعد أن لم يكن مستويا ولا يغضب غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولا ينادي عباده يوم القيامة بعد أن لم يكن مناديا ولا يقول للمصلي
الإيمان بأن القرآن كلام الله من غير وصفه بقدم أو حدوث ... "ومنها" ما ذكره الناظم بقوله: وإن ما جاء مع جبريل ... من محكم القرآن والتنزيل كلامه سبحانه قديم ... أعيا الورى بالنص يا عليم فقوله: *كلامه سبحانه قديم* هو من جنس ما قبله من الألفاظ المبتدعة المخترعة التي لم ينطق بها سلف الأمة وأئمتها والذي عليه أهل السنة والجماعة المخالفون لأهل البدع أن كلام الله ﷾ حادث الآحاد قديم النوع، وأنه يتكلم بمشيئته وقدرته إذا شاء لا يمتنع عليه شيء أراده وأن الله تعالى متصف بالأفعال الاختيارية القائمة به فهو سبحانه قد تكلم في الأزل بما شاء ويتكلم فيما لم يزل بقدرته ومشيئته بما أراد وهو الفعال لما يريد ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ وأهل البدع المخالفون للسلف ينفون ذلك ويسمون هذه الأفعال الاختيارية القائمة به ﷾ حلول الحوادث والله لا يكون محلا للحوادث ويريدون بهذا أن لا يتكلم بقدرته ومشيئته ولا ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا ولا يأتي يوم القيامة ولا يجيء ولا يغضب بعد أن كان راضيا ولا يرضى بعد أن كان غضبانا ولا يقوم به فعل البتة ولا أمر مجدد بعد أن لم يكن ولا يريد شيئا بعد أن لم يكن مريدا له فلا يقول له كن حقيقة ولا استوى على عرشه بعد أن لم يكن مستويا ولا يغضب غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله ولا ينادي عباده يوم القيامة بعد أن لم يكن مناديا ولا يقول للمصلي
1 / 20
إذا قال ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ حمدني عبدي، فإذا قال: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قال: أثنى علي عبدي، فإذا قال: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ قال: مجدني عبدي" فإن هذه كلها حوادث وهو منزه عن حلول الحوادث كما تقدم بيان هذا وإيضاحه في كلام ابن القيم ﵀، وقال في الكافية الشافية لما ذكر أقوال أهل البدع المخالفين لأهل السنة:
والآخرون أولو الحديث كأحمد ... ذاك ابن حنبل الرضي الشيباني
قد قال إن الله حقا لم يزل ... متكلما إن شاء ذو إحسان
جعل الكلام صفات فعل قائم ... بالذات لم يفقد من الرحمن
وكذاك نص على دوام الفعل بالا ... حسان أيضا في مكان ثان
وكذا ابن عباس فراجع قوله ... لما أجاب مسائل القرآن
وكذاك جعفر الإمام الصادق ال ... مقبول عند الخلق ذو العرفان
قد قال لم يزل المهيمن محسنا ... برا جوادا عند كل أوان
إلى آخر كلامه فإنه قد أجاد فيه وأفاد فراجعه فيها.
كلام الله بمشيئته ... وأما ما ذكره في القول السديد في الأبيات التي نسبها لشيخ الإسلام قدس الله روحه إن صح النقل بذلك عنه حيث قال: وأقول في القرآن ما جاءت به ... آياته فهو القديم المنزل فهذا القول إن صح لا ينافي كونه سبحانه يتكلم فيما لم يزل بقدرته ومشيئته كما هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافا لأهل الكلام من المبتدعة وغيرهم. والله أعلم. "ومنها" ما ذكره في صفحة أربع وعشرين وهو أخف مما قبله
كلام الله بمشيئته ... وأما ما ذكره في القول السديد في الأبيات التي نسبها لشيخ الإسلام قدس الله روحه إن صح النقل بذلك عنه حيث قال: وأقول في القرآن ما جاءت به ... آياته فهو القديم المنزل فهذا القول إن صح لا ينافي كونه سبحانه يتكلم فيما لم يزل بقدرته ومشيئته كما هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافا لأهل الكلام من المبتدعة وغيرهم. والله أعلم. "ومنها" ما ذكره في صفحة أربع وعشرين وهو أخف مما قبله
1 / 21