Introducción a la Historia de la Filosofía Islámica
تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية
Géneros
36 (8) اصطباغ الكلام والتصوف بالفلسفة
وإذا كانت هذه النصوص تشعر بقوة الصلة بين العلوم الفلسفية، وعلم الكلام وعلم التصوف الشرعيين؛ فإن ابن خلدون في «المقدمة» بين، عند كلامه على هذين العلمين، في حدوثهما وتدرج كلام الناس فيهما صدرا بعد صدر، أنهما اختلطا بالفلسفة في آخر أمرهما.
يقول ابن خلدون في علم الكلام: «ولقد اختلطت الطريقتان - يعني طريقتي المتقدمين من المتكلمين والمتأخرين - عند هؤلاء المتأخرين، والتبست مسائل الكلام بمسائل الفلسفة؛ بحيث لا يتميز أحد الفنين من الآخر.»
37
ويقول ابن خلدون في علم التصوف ما يشبه هذا القول؛ فهو يذكر ما نصه: «ثم إن هؤلاء المتأخرين من المتصوفة المتكلمين في الكشف، وفيما وراء الحس توغلوا في ذلك، فذهب الكثير منهم إلى الحلول والوحدة كما أشرنا إليه، وملئوا الصحف منه.»
38
ويقول في موضع آخر في نفس الفصل: «والذي يظهر من كلام ابن دهقان في تقرير هذا المذهب أن حقيقة ما يقولونه في الوحدة شبيه بما تقوله الحكماء في الألوان، من أن وجودها مشروط بالضوء فإذا عدم الضوء لم تكن الألوان موجودة بوجه.»
39
وجملة القول أن المؤلفين الإسلاميين لا يعدون علم الكلام وعلم التصوف من العلوم الفلسفية في حقيقة أمرهما، ولكنهم يرونهما قريبي الشبه بهذه العلوم، ويرون أن الفلسفة طغت عليهما في بعض أدوار تدرجهما فصبغتهما بالصبغة الفلسفية. (9) علم أصول الفقه والفلسفة
وعلم أصول الفقه لم يخل من أثر الفلسفة أيضا، وقد أشار إلى ذلك ابن خلدون في الفصل الخاص بأصول الفقه، وما يتعلق به من الجدل والخلافيات؛ فهو يذكر أن للمتكلمين فيه طريقة عني بها الناس، والمتكلمون ليسوا بعيدين من الفلاسفة، ويجعل ابن خلدون علم الخلافيات وعلم الجدل تبعا لعلم أصول الفقه، وهما علمان لا ينكر صلتهما بالمنطق منكر، وعلم الجدل كما في كتاب «مفتاح السعادة»: «هو علم باحث عن الطرق التي يقتدر بها على إبرام أي وضع أريد، وعلى هدم أي وضع كان، وهذا من فروع علم النظر ومبني لعلم الخلاف، وهذا مأخوذ من الجدل الذي هو أحد أجزاء مباحث المنطق، لكنه خص بالعلوم الدينية.»
Página desconocida