ولم يسمع مقال القائل: كم ترك الأول للآخر؟ (١). إلا أن القدر لم يساعده على إتمامه وعاقه عن ذلك المقضي من محتوم حمامه؛ فتركه مختل النظام [١/ ٣] فاقد التمام، لا يتوصل إلى حل غير الشروح من أصله إلا بعد إعمال فكر ومراجعة كتب، ولا يظفر بتمثيل ما استغلق منه إلا بعد استفراغ الجهد في الطلب، إلى أن أتاح الله تعالى إكمال ذلك على يدي إمام زمانه (٢) وعالم أوانه، وحيد دهره في علم العربية، وفريد عصره في الفنون الأدبية، شيخنا أثير الدين أبي حيان: محمد بن يوسف الجيّاني الغرناطي (٣). أمتع الله تعالى بفوائده الجمة، وأهدى إلى روحه روح الرضا والرحمة، ففتح مغالقه المعضلة، وفك تراكيبه المشكلة، وعمل على تفصيل مبانيه المجملة، فتم بذلك التكميل الأرب، وأقبل المشتغلون ينسلون إليه من كل حدب، ثم اقتضت هممه العلية ومقاصده المرضية أن يضيف إلى ما شرح شرح بقية الكتاب (٤)؛ ليكون مصنفا مستقلّا وغماما على المتعطشين مستهلّا؛ فوضع كتابا كبيرا سابغ الذيول جمّ النقول، غزير الفوائد كثير الأمثلة والشواهد أطال فيه الكلام ونشر الأقسام، إلا أنه جمع فيه
بين الدر والصدف، ومزج بسنا ضوئه غبش السّدف (٥)، وتحامل في الرد والمؤاخذات تحاملا بيّنا وبالغ حتى صار المناضلة عن المصنف لازمة والانتصار له متعينا.
ولقد خرج الكتاب المذكور بسبب الإطالة عن مقصود الشرح، وصار فيه للمتأمل سبيل إلى القدح، مع أن المعتني بحمل الكتاب لا يحظى منه بطائل