============================================================
الهيد شرح معالمر العدل والنوحيل حصول اليقين، ولا يلزم من عدم اقتدارهم على التعبير عنها ألا يكونوا عالمين بها؛ فإن العامي إذا رأى الرعد والبرق فقال: سبحان الله. علمنا أنه إنما قال ذلك لما تقرر في عقله أن هذه الحوادث لما حصلت بعد أن لم تكن حاصلة من قبل أسند ذلك لا محالة إلى فاعل مختار، فهذا المعنى إذا كان متقررا في عقله كان عالما بالله، ولا يضره بعد ذلك عدم الاقتدار على تبيره وشرحه.
وأما ما ذكره ثانيا هو آنه لم ينقل عن واحد من الصحابة والتابعين خوضهم في هذه الأدلة، قلنا: لا نسلم هذا، بل نقول: جملة أصول الأدلة التي يذكرها المتكلمون في إثبات الصانع والمعاد والنبوة مذكورة في القرآن، والرسول والصحابة كانوا عالمين بها على حقائقها، نعم الخصوم في زمانهم كانوا قليلين، فلا جرم استغنوا عن البسط في تقرير هذه الأدلة، أما في زماننا فلما كثرت الشكوك والشبه فلا جرم احتجنا إلى مزيد الكشف والشرح.
وأما ما ذكره ثالثا وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام وجميع الصحابة كانوا منكرين للخوض في هذه الأدلة، قلنا: هذا فاسد. وكيف يقال: إنهم منكرون للخوض في هذه الأدلة وأكثر القرآن مشتمل على ذكرها وشرحها؟ ولنذكر منها آية واحدة ليقاس بها الباقي وهي قوله تعالى: (أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين)(1) إلى آخر السورة، فالله تعالى حكى في هذه الآية إنكار المنكرين للاعادة وكرر وجه شبههم وأجاب عن كل واحدة منها بجواب يخصه وهي ثلاث: 1- سورة يس: آية 77.
Página 56