فَأَي الْأَمريْنِ ثَبت وَجب بِهِ الْقَضَاء على حُدُوث الْأَجْسَام
بَاب الْكَلَام فِي إِثْبَات الصَّانِع
وَلَا بُد لهَذَا الْعَالم الْمُحدث المصور من مُحدث مُصَور وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن الْكِتَابَة لَا بُد لَهَا من كَاتب وَلَا بُد للصورة من مُصَور وللبناء من بَان وَأَنا لَا نشك فِي جهل من خبرنَا بِكِتَابَة حصلت لَا من كَاتب وصياغة لَا من صائغ فَوَجَبَ أَن تكون صور الْعَالم وحركات الْفلك مُتَعَلقَة بصانع صنعها إِذْ كَانَت ألطف وأعجب صنعا من سَائِر مَا يتَعَذَّر وجوده لَا من صانع من الحركات والتصويرات
وَيدل على ذَلِك علمنَا بتقدم بعض الْحَوَادِث على بعض وَتَأَخر بَعْضهَا عَن بعض مَعَ الْعلم بتجانسها وَلَا يجوز أَن يكون الْمُتَقَدّم مِنْهَا مُتَقَدما لنَفسِهِ وجنسه لِأَنَّهُ لَو تقدم لنَفسِهِ لوَجَبَ تقدم كل مَا هُوَ من جنسه وَكَذَلِكَ لَو تَأَخّر الْمُتَأَخر مِنْهَا لنَفسِهِ وجنسه لم يكن الْمُتَقَدّم مِنْهَا بالتقدم أولى مِنْهُ بالتأخر وَفِي الْعلم بِأَن الْمُتَقَدّم من المتماثلات لم يكن بالتقدم أولى مِنْهُ بالتأخر دَلِيل على أَن لَهُ مقدما قدمه وَجعله فِي الْوُجُود مَقْصُورا على مَشِيئَته
وَيدل على ذَلِك أَيْضا علمنَا بِصِحَّة قبُول كل جسم من أجسام الْعَالم لغير مَا حصل عَلَيْهِ من التَّرْكِيب وَصِحَّة كَون المربع مِنْهَا مدورا وَكَون المدور مربعًا وَكَون مَا هُوَ بِصُورَة بعض الْحَيَوَان بِصُورَة غَيره وانتقال كل جسم عَن شكله إِلَى غَيره من الأشكال فَلَا يجوز أَن يكون مَا اخْتصَّ مِنْهَا بشكل معِين مَخْصُوص إِنَّمَا اخْتصَّ بِهِ لنَفسِهِ أَو لصِحَّة قبُوله لَهُ لِأَن ذَلِك لَو كَانَ كَذَلِك لوَجَبَ قبُوله لكل شكل يَصح قبُوله لَهُ فِي وَقت وَاحِد حَتَّى يجْتَمع فِيهِ
1 / 43