Dominio francés sobre los territorios egipcios y los países sirios
ذكر تملك جمهور الفرنساوية الأقطار المصرية والبلاد الشامية
Géneros
وقد كنا ذكرنا كل ما جرى للفرنساوية في ابتداء دخول إلى الديار المصرية في نصف شهر محرم افتتاح سنة 1214، وما قضوا من المكافحات والجهاد والشرور والفساد، وقد مات منهم جمع غفير، وكابدوا تعبا كثيرا، وأعداؤهم الإنكليز رابطين عليهم البواغيظ، ونفور البلاد العربية وعدم ميلهم عليهم، ووصول الأذية إليهم؛ لأن أهالي البلاد قتلوا منهم أناسا كثيرين بالانفراد، وكانوا يدخلونهم إلى منازلهم بالأمان ويقتلونهم ويخفوهم، وكانت الفرنساوية قلوبهم مطمئنة من قبل الإسلام، ولا ينقلون السلاح إلا في وقت الحرب والكفاح، وكانت نساء مصر وخوارجها كثيرة، فكانوا يأخذون الفرنساوية إلى منازلهم إلزاما ويقتلونهم ويرمونهم في الأبيار ويخفون منهم الآثار، وقد فقد منهم كثيرون بهذه الوسايط والأنكاد، ووقع كثير منهم في علة الجدام من ذلك الفساد، وذلك المرض وجوده كثير في تلك البلاد، وقد مات من الفرنساوية من ابتداء دخولهم إلى الديار المصرية إلى حين رجوعهم من الديار الشامية ما ينوف عن خمسة عشر ألفا، وقل عددهم، ولكن لم يضعف جلدهم، وكانوا مع كل تلك الأحوال والبلاء والنكال ما ازدادوا إلا قوة وباس وصعوبة ومراس وحسن الشيم والعطا والكرم، وكثر في زمانهم في تلك الأقاليم الرخص والخير العميم، وعدم الظلم والعدوان وإظهار العدل والإيمان.
وكان بعد رجوع أمير الجيوش إلى مصر قد هرب القاضي وترك أعياله في البلد، فأمر أن يرفعوا ولده إلى القلعة ويختموا على جميع أرزاقه، فاجتمعت العلماء وأرباب الديوان وكتبوا عرض حال يترجوا أمير الجيوش بذلك الحال، وطلق ولده من القلعة ورفع الضبط عن المال والعيال، فقبل سؤالهم وأرثى لحالهم وأطلق الولد بشرط أن لا يقيم في البلد، وصرفه في ماله وأعياله، ثم إنه أحضر شيخ العريش وألبسه فروا فاخرا ثمينا وأقامه قاضيا أمينا.
وفي شهر محرم الحرام افتتاح سنة 1214 ظهر في أراضي البحيرة عند دمنهور رجل مغربي، وقيل: إنه ابن سلطان الغرب، فجمع من المغاربة والهوارة والعربان والفلاحين جمعا عزيزا وقطع الطرقات، فبلغ خبره إلى حاكم الإسكندرية، فأرسل إليه شردمة من عسكر الفرنساوية، وكبسوا عليه وانتشر بينهم القتال فانهزم ذلك المغربي بعسكره في البراري والتلال، ولم تزل الفرنساوية في آثارهم حتى أهلكوا أكثرهم، وكان هذا الرجل يدعي النبوة ويقول: إنه حينما يلقي نظره على الكفار فيتلاشون كالغبار، فكان الأمر بضد ذلك الإقرار، وقد جرعوه كئوس المهالك وتشتتت تلك الجموع، ورجعت الفرنساوية بالسكون والهجوع.
وفي اثني عشر صفر سنة 1214 هجرية حضر هجان من الإسكندرية بكتابة إلى أمير الجيوش يخبره أن العمارة العثمانية ظهرت في ثغر الإسكندرية، وعدتها ثمانون مركبا كبارا وصغارا، وأنهم إذ لم يقدروا يستقبلوا البوغاظ من الكلل والقنابر الكثير فتعمدوا إلى قلعة أبو قير، وكان وصول ذلك الهجان عند الغروب، وهو على صفرة المأكول والمشروب، فنهض بالحال كالمرعوب، وأمر بحضور الخيل للركوب وفرق الأوامر على الجنرالية، وأمرهم أن يتبعوه بالعساكر إلى الرحمانية، وكتب إلى الجنرال كليبر أن يحضر من دمياط على طريق البر، ثم ركب من ذلك المحضر بعسكره الخاص الذي يلبس الجوخ الأخضر، وسار على تلك النية حتى وصل إلى أراضي الرحمانية، فأتاه الخبر من الإسكندرية أن المراكب العثمانية ملكت قلعة أبو قير وهربت منها الفرنساوية، وأن العساكر جميعا خرجت إلى البرية وبنوا بمساعدة الإنكليز متاريس عظيمة في تلك الأقطار، ووضعوا فوقها المدافع الكبار وفرقوا البيورلديات على جميع تلك الديار، واستنهضوا للقيام الفلاحين والعربان وأهل تلك البلدان، ولبسوا من مصطفى باشا الأكراك، وابتهجت الإسلام بورود عسكر الأتراك.
وخشي أمير الجيوش من قيام العامة من مصر وغيرها من البلدان، فكتب فرمان إلى علماء مصر وأرباب الديوان يخبرهم بورود المراكب وخروج عساكرها إلى البر وأنهم مراكب النصارى، ولكن ربما معهم بعض مسلمين، وتعريفه بذلك استنادا على الفرمان الذي ورد من الدولة العثمانية إلى الجزار والأقطار الشامية، حيث يقول: قريبا تحضر لكم الضوننما الهمايونية مع ضوننما دولة المسكوبية المتحدة مع دولتنا بالحب والصدوقية ويحضر لكم أيضا عشرين ألفا مقاتل في البر من الدولة القوية غير العساكر البحرية؛ لأجل طرد الملة الفرنساوية. وهذا الفرمان قد حضرت صورته إلى أمير الجيوش واطلع عليه العلماء والأعيان وأهل تلك البلدان؛ ولأجل ذلك حرر أمير الجيوش لهم ذلك الفرمان؛ لأجل ترقيد الفتن والهرج وأن تلك المراكب من النصارى الإفرنج.
وهذه صورة الفرمان نقلا عن المطبعة:
من حضرة ساري عسكر أمير الجيوش الكبير بونابرته خطابا إلى ديوان مصر المحروسة: أوله: لا إله إلا الله، محمد رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، نخبر محفل علماء الديوان بمصر المنتخب من أحسنهم وأكملهم في العقل والتدبير عليهم سلام الله ورحمته وبركاته: بعد مزيد السلام عليكم وكثرة الأشواق إليكم نخبركم يا أهل الديوان المكرمين: أننا وضعنا جماعة من عسكرنا بجبل الطونا، وبعد ذلك سرنا إلى إقليم بحيرية لأجل ما نرد راحة الرعايا المساكين وأقاصص أعداءنا المحاربين، وقد وصلنا في السلامة إلى الرحمانية وعفونا عفوا عموميا عن كل أهل البحرية، حتى صار أهل الأقاليم في راحة تامة ونعمة عامة وسكنت الفتنة واطمأنت.
ثم نخبركم: أنه وصل ثمانون مركبا صغارا وكبارا حتى ظهروا بثغر الإسكندرية، وقصدوا أن يدخلوها فلم يمكنهم الدخول لكثرة كلل والمدافع النازلة عليهم، فرحلوا عنها وتوجهوا إلى ناحية أبو قير، وابتدوا ينزلوا في بر أبو قير، وأنا الآن تركتهم وقصدي أنهم يتكاملوا الجميع في البر، وأنزل عليهم وأقتل من لا يطيع، وأخلي في الحياة الطايعين، وآتيكم بهم محبوسين؛ لأجل أن يكون في ذلك شأن عظيم في مدينة مصر.
والسبب في مجي هذه العمارة إلى هذا الطرف العشم بالاجتماع على الممالك والعربان؛ لأجل نهب البلاد وخراب الإقليم المصري، وفي هذه العمارة خلق كثير من الموسكوب الإفرنج، الذين كراهتهم ظاهرة لكل من كان موحد الله، وعداوتهم واضحة لمن كان يؤمن برسول الله، يكرهون الإسلام ولا يحترمون القرآن، وهم نظرا إلى كفرهم في معتقدهم يجعلون الآلهة ثلاثة، وأن الله ثالث تلك الثلاثة، تعالى الله عن الشرك، ولكن عن قريب يظهر لهم أن الثلاثة لا تعطي القوة، وأن كثرة الآلهة لا تنفع؛ لأنها باطلة، بل إن الله الواحد هو الذي يعطي النصرة لمن يوحده، وهو الرحمن الرحيم المساعد الأمين المعين المقوي للعادلين الموحدين، المبعث الماحق رأي الفاسدين المشركين.
Página desconocida