Dominio francés sobre los territorios egipcios y los países sirios
ذكر تملك جمهور الفرنساوية الأقطار المصرية والبلاد الشامية
Géneros
ولما علم أمير الجيوش بتلك الأخبار وأن العالم كله نهض ضده، وأنه صار مضطرا أن يحارب جميع المسكونة بهذا الجيش القليل، وقلب ذلك البطل الشديد أقوى من الحديد، فما أراعته الأهوال ولا اعتراه الانذهال، ولا تغيرت منه الأحوال، ولا التوى عنانه ولا تزعزع جنانه، بل أخفى الكمد وأظهر الجلد، ثم أرسل أحضر الجنرال كليبر من الناصرة وأمره أن يهجم الهجمة الآخرة، فعند ذلك نهض هذا البطل المذكور، وأظهر حربه المشهور وقرع طبول الحرب، وتقدم إلى الكون والضرب، وكان يوما أعظم الأيام وحرب يشيب منه رأس الغلام، وهاج ذلك الجنرال هيجان الأسد الأذرع الذي لا يهاب الموت ولا منه يفزع، واندفقت عليهم الكلل والقنابر برا وبحرا، على هؤلاء العساكر اندفاق البحور الزواخر، واتقدت عليهم النيران وأظلم الجو من الدخان، واستدت المسامع من صوت المدافع، واشتدت المعامع، وقفزت الفرنساوية الأسوار، ودخلوا إلى الجامع.
وكانت ساعة من ساعات القيامة، وحربا لم يكن فيه سلامة، ويوم غريب الأحوال شديد الأهوال عظيم الوبال، تشيب من هوله الأطفال وترتعب من ذكره صناديد الرجال، وتبادرت العساكر الذين في المدينة والمراكب التي في الميناء بالحراقة والنيران بالزيت والقطران، وجادوا بالكلل والرصاص والقنابر والقواص، وبالضجيج العظيم والصراخ الذميم، وارتدت الفرنساوية بحمية عن ذلك الشر والنكد بعدما كانوا دخلوا البلد المحمية، وخطفوا طاسات النحاس الأصفر من سبيل الجامع المشتهر، وخرجوا من المدينة كاسبين، وبقي منهم في الجامع ماية وعشرين، وكانوا قد انشغلوا في القتال إلى أن حالت عليهم الرجال، وبدوا يحاربون وعن أرواحهم يدافعون، فتراكمت عليهم العساكر كالبحور الزواخر، وقد أيقنوا بالموت والاقتناص وفرغ بارودهم والرصاص، وعند ذلك بادر إليهم الكومنضا سميت ساري عسكر الإنكليز، وطفق يكلمهم بالفرنساوية كلام حريز، وأن المشيخة ما أرسلوا رئيسكم إلى هذه الممالك إلا ليرموه في بحر المهالك وها نحن رابطين عليكم البواغيظ، ولا ندع أن يجيكم لا كثير ولا وجيز، وقد بقيتم مسجونين في هذه البلاد، وانقطع عنكم الإسعاف والإمداد، وجميع الممالك ضدكم مجاهدين على عدمكم، فكفاكم تهلكون نفوسكم وتطيعون هوى رئيسكم، فاطلبوا الإقالة من هذه الحروب والخلاص من هذه المصايب والخطوب، ونحن نضمن لكم الوصول بالسلام والأمان إلى أرضكم والأوطان، ولما سمعوا ذلك الكلام سلموا له وأخذهم بأمان.
وأما أمير الجيوش حين نظر أن ليس في ذلك الحرب محصول والدخول إلى عكا بعيد الوصول، وقد فهم أن الصلدات صاروا ينفرون من الهجوم والمصادرة، ويطلبون الرجوع إلى القاهرة، وأن قد مات ثلاثة آلاف وخمسماية صلدات على أسوار عكا، ومات في الطاعون وعلى الطرقات ما ينيف عن ألف صلدات، ومع ذلك المخاوف التي قضوها والبلايا التي ذاقوها، وهم لم يزالوا في طاعة غريبة ومحبة عجيبة إلى أمير الجيوش؛ إذ كان عندهم كإله يخضعون إلى أمره ويصبرون على مره وحره ملازمين على حمده وشكره.
وفي أحد عشر يوم من ذي الحجة سنة 1213 أمر أمير الجيوش بالقيام بجميع المضارب والخيام، وانتقل إلى مدينة حيفا، وكان فيها عدة حواصل قطن إلى الجزار، فأمر بحرق الجميع، ومن هناك ساروا إلى مدينة يافا، فأخذوا ما كان لهم من الأمتعة والمدافع الكبار ودفنوها في الأرمال، وقد كانوا آخذين من العساكر العثمانية أربعة آلاف بندقية، فأرموها في البحر، وأحرقوا المراكب التي كانوا أخذوها من الإسلام، وأخذوا الذين فيها أسارى، وكانوا نحو ثلثماية نفر، فأمر أمير الجيوش أن يصنعوا أخشابا كالنعوش، ويضعوا عليها المجرحين والمشوشين، وكل أربع أنفار من هؤلاء المأسورين يحملوا على أكتافهم خشبة ويمشوا أمام العسكر، وقبضوا على السيد يحيى مفتي مدينة يافا وأربعة أنفار من التجار، وأخذهم صحبته، ونهض من مدينة يافا إلى غزة، وكان الجنرال القايم بها قبض على خمسة أنفار من التجار في البلد، وطلب منهم جانب من المال، ثم سار أمير الجيوش إلى قلعة العريش، وهناك وضع المشوشين والمجروحين، وأمر الجنرال كليبر أن يسري على قطية بعساكره إلى مدينة دمياط، وسار أمير الجيوش بباقي العسكر إلى مدينة القاهرة، وأمامه أوليك الأسرى ماشيين، ووصل إلى العادلية بالقرب من مدينة بلبيس، وأرسل أخبر القيمقام الجنرال دوكا بقدومه، فخرج المشار إليه مع شيخ البلد وساير الجنرالية والعساكر وعلماء البلد والحكام والأعيان وأرباب الديوان والأوجاقات، وأقبلوا عليه وهنوه بقدومه.
وبعد الجلوس قال لهم: لقد بلغني أن بعض المفسدين والأعداء الكاذبين قد أشاعوا عني الأخبار أنني قد مت في تلك الديار، فأمعنوا النظر بي لتتحققوا الخبر، وانظروا هل أن بونابرته مات أم بعده في الحياة، وقولوا للمفسدين: لا يتأملوا بهذا الأمل، بونابرته قد جاء سالما غانما بإذن المالك العزيز، ولم يمت حتى يدوس جميع الممالك. فأجابوه: لا بأس على أمير الجيوش، لقد كذب كل من قال، أطال الله لنا بقاك ولا شمت بك أعداءك وجعلنا من الدنيا فداك، وبالحقيقة كانت شاعت عنه تلك الأخبار، وفرحت أهل تلك الديار، ثم دخل مصر بموكب شهير ورآه الكبير والصغير، ومشت أمامه جميع العساكر الفرنساوية وحكام وأعيان وعلماء وأغاوات مدينة مصر المحمية، ودخل من باب النصر بالعز والنصر نهار الجمعة عاشر يوم من شهر محرم الحرام افتتاح سنة 1214 وكان يوما عظيما وموكبا جسيما، وحينما ولج بمنزله الكاين على بركة اليزبكية كتب فرمانا باللغة الفرنساوية وأرسله إلى ديوان العلماء وأمرهم أن يترجموه إلى اللغة العربية خطابا من علماء الديوان إلى ساير الأقاليم المصرية، ويطبعوه في اللغة العربية ويعلقوه على شوارع القاهرة، ويفرقوه على جميع الأقاليم العامرة.
وهذه هي صورة ذلك الفرمان:
من محفل الديوان الخصوصي بمصر المحروسة خطابا إلى أقاليم مصر الشرقية والغربية والمنوفية والقليوبية والجيزة والبحرية، النصيحة من الإيمان، قال الله تعالى في محكم القرآن:
ولا تتبعوا خطوات الشيطان ، وقال تعالى:
ولا تطيعوا أمر المسرفين * الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ، فعلى العاقل أن يدبر الأمور قبل وقوع المحذور، نخبركم يا معشر المؤمنين: أنكم لا تسمعوا كلام الكذابين فتصبحوا على ما فعلتم نادمين.
وقد حضر إلى محروسة مصر المحمية أمير الجيوش الفرنساوية؛ حضرة بونابرته محب الملة المحمدية، ونزل بعسكر في العادلية سليما من العطب والأسقام شاكرا لله موحدا للملك العلام، ودخل إلى مصر من باب النصر يوم الجمعة عاشر محرم سنة 1214 من هجرته - عليه السلام - في موكب كبير عظيم بشنك جليل فخيم وعسكر كثير جسيم، وصحبته العلماء الأزهرية، والسادات البكرية والعنانية والدامورشية والخضوية والأحمدية والرفاعية والقادرية، والأوجاقات السبعية السلطانية، وأرباب الأقلام الديوانية، وأعيان التجار المصرية، وكان يوما مشهورا عظيما لم يقع نظيره في المواكب السابقة قديما، وخرجت سكان مصر جميعا لملاقاته فوجدوه هو الأمير الأول بونابرته بذاته وصفاته، وأظهر لهم أن الناس يكذبون عليه وشرح الله صدره للإسلام، ونظر الله بعين لطفه إليه، والذين أشاعوا عنه هذه الأخبار الكاذبة العربان الفاجرة والغز الهاربة، ومرادهم بهذه الإشاعة هلاك الرعية ، وتدمير أهل الملة الإسلامية، وتعطيل الأموال الديوانية، ولا يحبون راحة العباد، قد أزال الله دولتهم من شدة ظلمهم.
Página desconocida