يجيب أبي وهو يزيح الغطاء عن جسده: النهارده الجمعة. - يلا أحضر لكم الفطار.
يعتدل أبي على جانبه الأيمن. يزيح جلبابه كاشفا عن ساقيه. تقع عيني على حمامته بارزة من فتحة كلسونه. منتفخة كرأس قط. يظل ممددا على جانبه دون أن يعبأ بتغطية نفسه. ينظر إلى «فاطمة». يمد يده ويدعك حمامته. يعتدل جالسا ويدلي ساقيه.
تسأل: تحبوا تفطروا إيه؟ أعمل سخينة باللبن ولا فول مدمس؟ أقول: عسل بطحينة. تقول: مفيش. يخاطبني أبي: خد نص فرنك وروح هات من السرجة. - ما تبعت «فاطمة». يقول: النهارده الجمعة و«عباس» عايز يفطر. تقول: أيوه. لازم أروحله ولا يهري جتتي.
أذهب إلى دورة المياه. أغالب خوفي وأدخل الكنيف. أتبول وأغسل يدي ووجهي. أعود إلى الغرفة. أبي واقف بجوار الدولاب و«فاطمة» جالسة على حافة السرير. أجفف وجهي بالفوطة الملقاة على مسنده. أهم بخلع سترة البيجامة لأرتدي القميص والبنطلون. يقول أبي: متضيعش وقت. روح بالبيجامة. يعطيني نصف فرنك. أقول: فين الطبق؟ تقول «فاطمة»: على البوفيه.
أغادر الغرفة. أترك الباب مواربا. أتناول الطبق. يغلق أبي باب الغرفة. أفتح باب الشقة ثم أغلقه بقوة. أسرع بالاختباء تحت المائدة. أبتعد ناحية باب المنور كي لا تكشفني حواف المفرش. ترتطم رأسي بحافة المائدة. أضع يدي على فمي لأحبس صرخة. أدعك مكان الخبطة . أنكمش بعيدا عن أعشاش الصراصير المرصوصة في الركن. يدق قلبي بقوة. لا أقوى على الخروج من مكمني والاقتراب من باب الغرفة. أرهف السمع. لا صوت. لا أجسر على الحركة. قلبي يواصل الدق في قوة. ضوء الصباح يعم الغرفة. أدخل في هدوء دون أن يشعرا بي. أتوارى خلف عمود المشجب الخشبي. أنكمش بين بزة أبي ومنشته ومظلته. أسمع حركتهما على السرير. صوت ضحكات هامسة. هو أو هي؟ علي كوميدينو مجاور للسرير كأس ماء به طاقم أسنانه. أزيح سترته جانبا. ظهره لي. رأسه عار يحف الشعر الرمادي بصلعته. ألمح جانبا من وجهه الضاحك. يحيط أمي بذراعه. تضحك هي الأخرى. أمد يدي إلى سترته. أدسها في الجيب الداخلي الذي يضم النقود. آخذ كل شيء. أتسلل خارجا. يغادران الغرفة بعد قليل. يعود إلى الغرفة. يستدعيني. يغلق الباب. يجلسني أمامه. يستجوبني. يتناول الخرزانة الرفيعة من فوق سطح الدولاب. ينهال بها علي.
أسمع حركة. يفتح باب الغرفة. تخرج «فاطمة». تغدو بين البوفيه والمطبخ. قبقابها يطرقع. تعد طبقا من الفول المدمس. تحمله إلى أبي. تظل في الداخل. تخرج بعد قليل. تفتح باب الشقة. تخرج. تغلقه خلفها. يغادر أبي الغرفة إلى الحمام. يتمتم ببعض الآيات. أعرف أنه يتوضأ. أزحف تحت المائدة في اتجاه باب الشقة. ألمح ساقيه أمام الحوض. أغادر مكمني والطبق في يدي. أتجه إلى باب الشقة. أفتحه في رفق ثم أغلقه بقوة. ما زال أبي عند الحوض. يملس أذنيه بالماء. يلتفت نحوي. يقول: هي «فاطمة» نسيت تقفل الباب؟ أقول وأنا ألوح بالطبق الفارغ أمامه: السرجة قافلة. النهارده الجمعة. يقول: كانوا بيفتحوا قبل الصلاة. أعملك بيض؟ أقول: مليش نفس. أدخل الغرفة وأجلس إلى مكتبي. أخرج كراريسي من الشنطة. أفتح كتاب المطالعة أقرأ قصيدة بعنوان: «رثاء قطة». يدخل أبي. يفرش سجادة الصلاة على الأرض. يصلي الصبح.
يرتدي ملابسه. يخرج لصلاة الجمعة في المسجد. أتأكد من إغلاق باب الشقة وباب الغرفة. أفتح الدولاب. أجر كرسي المكتب أمامه. أعتليه. في مدخل الرف العلوي زجاجة عليها صور أسد. الكينا الحديدية «بيسليري ». أتناول كتاب «شمس المعارف». أحمله إلى المكتب. أقلب صفحاته. تسقط منه صورة صغيرة في حجم صور الكارنيهات. جديدة. ورقها لامع. أتعرف على صاحبتها من رائحة العطر التي تنبعث منها. طنط «سميرة». تبدو كما رأيتها في العيد. جميلة جدا.
أعيد الصورة مكانها. أتفحص الصفحات التي عينها أبي بقصاصات الورق. أقلب الصفحات مرة أخرى. في نهاية الكتاب فهرست لأجزائه الأربعة. أقرؤه بسرعة. أخط أرقام بعض الصفحات في كراس الإنشاء. أبدأ بصفحة 108 في الجزء الأول. لا أفهم منها شيئا. أنتقل إلى صفحة 25 من الجزء الثاني. ثم صفحة 61 من الجزء الثالث وصفحتي 3 و140 من الجزء الرابع.
أقرأ: «تأخذ جلد بومة تدبغه بالحنا والشب وتكتب عليه حرف الألف، وارسم معه اسم الملك والدعوة والإضمار واعمله عرقية والبسها.» ماذا يعني الإضمار أو عرقية؟ أنتقل إلى غيرها: تكتب «يا قرشيا شرابيا يهوبيا» على رمل وتجلس عليه وتقرأ قوله تعالى
وجعلنا من بين أيديهم سدا
Página desconocida