يصيح به أخوه: حطه في برطمان قزاز.
يجمع لنا مشترياتنا في كيسين من الورق يضمهما أبي إلى صدره. نغادر الدكان. أطلب منه أن أحمل أحد الكيسين. يرفض قائلا إنه سيقع مني. كتاب المطالعة. «سرحان» بين البيت والغيط. يضع البيض في جيوبه فيتهشم. يحمل الخروف بين ساعديه فيعجز عن السير. يجر البطة بحبل فتختنق.
نتجه إلى الحارة. أسأله لماذا لم يشتر الزبدة. أحبها بالعسل الأبيض أو الأسود. وأحب «المورتة» التي تتخلف عن تسييحها. يقول إن «سليم» يحشو كوز الزبدة بالملح ليغش في الوزن. وإن أخاه الحاج «عبد العليم» حذره أكثر من مرة بلا فائدة .
نتمهل في مدخل الحارة المظلمة. نخطو في بطء. ضوء خفيف من خصاص الأبواب الخشبية للبلكونات. شيش بلكونة المنزل المقابل لنا مفتوح، لكن المصراع الزجاجي مغلق والستائر مسدلة خلفه. نتعثر في مدخل المنزل. نصعد الدرجات القليلة المتآكلة. باب شقتنا المظلمة يمين السلم المؤدي إلى الطوابق العليا. إلى اليسار فجوة غامضة تؤدي إلى مخزن البقالة. أتجنب النظر نحوها.
يناولني كيسا وهو يقول: امسكه كويس. يفك أزرار المعطف ويزيحه جانبا. يبحث عن المفتاح في جيب سترته، يدس المفتاح في قفل الباب ويديره. يدفع الباب. أتشبث بمعطفه. ندخل في حذر.
يردد: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم. يفتش بيده حتى يعثر على مفتاح النور. يلتمع الضوء الضعيف من مصباح كهربائي متسخ يتدلى من منتصف السقف. يطل المصباح على صالة بها مائدة طعام مستطيلة. نقف أمام باب حجرتنا المجاور للباب الخارجي. يستخرج أبي من جيبه مفتاحا آخر. يتقدمني إلى الداخل. يضيء النور.
يضع كيسه فوق المكتب. أهم بوضع كيسي بجواره فيسرع بتناوله مني. يضعه بنفسه. أجلس فوق حافة الفراش الحديدي الكبير. إلى يميني باب البلكونة الصغيرة المغلق. أمامي الدولاب الخشبي المائل. يعتمد على ثلاث كرات خشبية في حجم الرمان أسفل ثلاث زوايا. ضاعت كرة الزاوية الرابعة أثناء النقل فوضع أبي قطعا صغيرة من الخشب مكانها. والنتيجة أن الضلفة اليسرى لا يمكن إغلاقها بإحكام وتظل مواربة. إلى جوارها مشجب خشبي ثم باب الغرفة. إلى يساري المكتب مضغوطا بين السرير وحائط الباب.
يخلع معطفه ويعلقه في أحد سواعد المشجب. يتبعه بسترة البزة. في عروتها قطعة مستديرة من البرونز كتب عليها «الجلاء». يضع طربوشه فوق قمة المشجب. ينكشف رأسه الأصلع الذي يحيط به شعر يغلب عليه اللون الأبيض. يضغط فوقه طاقية من الصوف الوبري في لون الجمال ذات حواف عريضة مطوية إلى أعلى. يظل بالصديري الرمادي الصوفي ذي الزراير الخشبية. يرتدي روبه البني ويزرره بحبل رفيع أحمر اللون. يلف حول رقبته وصدره لفاعة عريضة من نفس قماش الطاقية.
أفك رباط حذائي وأضعه بجوار الباب . ألبس قبقابي محتفظا بالجورب. أخلع البزة وألقي بها فوق ظهر كرسي المكتب. أضم إليها القميص والبلوفر. أرتعش من البرد. أرتدي البيجامة وفوقها البلوفر. يتناول كيسا من القماش من فوق المكتب ويستخرج منه رغيفا من الخبز الملدن. يقفز صرصور صغير أسود من الكيس. أتراجع بعيدا. يسألني إذا كنت أفضل الجبن أو الحلاوة. عيني على المكان الذي خرج منه الصرصور. أقول إنني لست جائعا. يلح علي أن آكل لأقاوم البرد. أكرر أنه لا نفس لي. يقول: أعمل لك بيض بالعجوة؟ أهز رأسي نفيا. يعيد الرغيف إلى الكيس.
أقوم بإعداد شنطة المدرسة. أتأكد من وجود ورقة النشاف وزجاجة الحبر. ألحظ أنه ما زال يرتدي بنطلونه وحذاءه. أسأله: مش حتقلع؟
Página desconocida