Renovación del pensamiento árabe
تجديد الفكر العربي
Géneros
الأول:
أن يكون صاحب السلطان السياسي هو في الوقت نفسه، وبسبب سلطانه السياسي، صاحب «الرأي»، لا أن يكون صاحب «رأي» (بغير أداة التعريف) بحيث لا يمنع رأيه هذا أن يكون لغيره من الناس آراؤهم.
الثاني:
أن يكون للسلف كل هذا الضغط الفكري علينا، فنميل إلى الدوران فيما قالوه وما أعادوه ألف ألف مرة، لا أقول إنهم أعادوه بصور مختلفة، بل أعادوه بصورة واحدة تتكرر في مؤلفات كثيرة، فكلما مات مؤلف، لبس ثوبه مؤلف آخر، وأطلق على مؤلفه اسما جديدا؛ فظن أن الطعام الواحد يصبح أطعمة كثيرة إذا تعددت له الأسماء.
الثالث:
الإيمان بقدرة الإنسان، لا كل إنسان بل المقربون منهم، على تعطيل قوانين الطبيعة عن العمل كلما شاءوا، على غرار ما يستطيعه القادرون النافذون - على صعيد الدولة - أن يعطلوا قوانين الدولة في أي وقت أرادت لهم أهواؤهم أن يعطلوها.
وسأتناول كلا من هذه العوامل الثلاثة بشيء من التوضيح: (أ) احتكار الحاكم لحرية الرأي
إننا إذ نريد تحديد موقفنا من تراثنا، تحديدا يجعل الخلف موصولا بالسلف، دون أن تفوت هذه الصلة على الخلف أن يعيش في عصره ولعصره، فلست أرى مندوحة لنا عن وقفة من ذلك التراث، تميز بين ما نحييه ليحيا، وما نطمسه ليموت، صنع الوارث العاقل، الذي لا يخزن إرثه في الخزائن، ثم يطوف بتلك الخزائن المغلقة عابدا، بل تراه يستخدم الإرث بما يعود عليه بالثمرة والنماء، فليس إرثه في حد ذاته حياة، وإنما هو وسيلة حياة، فإما صلح وسيلة وأداة، وإما نحيناه عن الطريق غير آسفين.
وإن ذلك المعيار العاقل نفسه، ليحمل في طيه إشارة إلى أول ما ينبغي أن نتنكر له من تراثنا، وهو أن نحتكم إلى التقليد حيث يمكن تحكيم العقل. ألا إن في تراثنا ما يقيم للعقل قوائمه، فذلك - إذن - هو الجانب الجدير منا بأن نصل به حاضرنا بماضينا، لكن في تراثنا كذلك خطأ مضادا، أوشكت الغلبة أن تكون له في عصور الضعف، وهو الخلط الذي يركن إلى الأسهل الأيسر، فيستنيم للتقليد، فيمضي الزمن والمقلدون نائمون على مخادع الماضي الذي يقلدونه، أو - على الأصح - الماضي الذي يزعمون أنهم يقلدونه. وحقيقة الأمر هنا هي أنهم - مثل دون كيخوته - يقلدون الفرسان الأصائل بلبس الدروع، لكنهم يضعون الدروع على خواء لا فروسية فيه، فينهارون لأول نفخة ينفثها هواء. وهذا هو أبو العلاء المعري ينظر إلى عصره - وعصره من عصور الضعف السياسي والتفكك - فيقول في وصف ما يرى: «وبنو آدم بلا عقول، وهذا أمر يلقنه صغير عن كبير.» ثم يستأنف القول بعد بضع صفحات، ليقرر أن الطفل الناشئ يظل يعيد ما سمعه، حتى يثبت في نفسه كأنه الحق. «والذين يسكنون في الصوامع، والمتعبدون في الجوامع، يأخذون ما هم عليه، كنقل الخبر عن المخبر، لا يميزون الصدق من الكذب ... وإذا المجتهد نكب عن التقليد، فما يظفر بغير التبليد، وإذا المعقول جعل هاديا، نقع بريه صاديا ، ولكن أين من يصبر على أحكام العقل؟ ... هيهات!» «وربما لقينا من نظر في كتب الحكماء، وتبع بعض آثار القدماء، فألفيناه يستحسن قبيح الأمور.»
فنحن إذ نثور على أتباع التقليد الغبي الأعمى، فإنما نثور على جانب من التراث بجانب آخر منه، فأبو العلاء الثائر على المقلدين، هو نفسه جزء من تراثنا، كما أن المقلدين جزء آخر، فأي سبيل لنا - نحن أبناء هذا العصر - يمكن أن تكون أوضح سبيلا وأهدى، من أن نقلب في الموروث؛ لنأخذ جزءه العاقل المبدع الخلاق، وننبذ جزءه الآخر الخامل البليد؟ نأخذ جزءه العاقل المبدع الخلاق، لا لنقف عند مضمونه وفحواه، نبدي ونعيد، بل لنستخلص منه الشكل؛ كي نملأ هذا الشكل بمضمون من عصرنا ومن حياتنا ومن خبراتنا. وإنما قصدت بالشكل هنا «القيمة» أو طريقة النظر وميزان الحكم، كمن يستعير من صاحبه منظارا مقربا أو مكبرا، لا لينظر به إلى المشهد نفسه الذي كان ينظر إليه صاحب المنظار، بل ليكون له هو مشهده الخاص وإدراكه المتميز الأصيل، برغم المشاركة مع الآخر في منظار واحد.
Página desconocida