Experiencias: Una Colección de Ensayos Sociales
التجاريب: وهي مجموعة مقالات اجتماعية
Géneros
إن لقب باشا في هذا البلد أشد إسكارا للمرء من زجاجة الويسكي، يناله القروي الذي ربي بين الأنعام، وسار يستحث المحراث وتقوم جنباه على مضاجع الهشيم تحت سقوف الأعشاش، ثم ينزل مصرا أو يطلع الثغر فيرفل في حلة تكاد تتحل عن أعطافه، يخال رائيه أن ثيابه تمشي وحدها، فيطغى ثم يطغى، ويأتي طغيانه على شكله المضحك وكلامه السمج، كالخضاب على رأس الأصلع، فهذا فضح نفسه ولا يشعر أنه فضحها؛ لأنه يرى ضحك الناس منه فيحسبه إعجابا بفضله.
يا سيدي الباشا، لو تركت هذا الخان وتبوأت عرش بلقيس تنقله إلى إيوان كسرى، واتخذت من حمرة الشفق بردك ومن نجوم الأفق أزرارك، وتقلدت لامع البرق حساما وجعلت قوس قزح حمائله، ما زادك في عيني إجلالا مثل أدب أجنيه من فمك، وخلق كريم أتبينه في طبعك، وإني ليزهدني في كثير من أمثالك ما بيننا من اختلاف الحال، أنا أكتب وهم لا يفهمون، وأنا أخلد وهم يفنون، وأنا قديم عهد بالنعمة وهم حديثو عهد بها، وأنا يكرر ذكري كل ناطق بالضاد، وليس فيهم من جاوز ذكره آخر الزقاق الذي يسكنه، أتحدث بنعمة الله، تأدية لشكره، فأين أنت مني حتى تتطاول علي؟
وزراء الغرب وأغنياؤهم وأعيانهم يتواضعون لمن يغشى منازلهم، وهم لم يبلغوا من الرفعة إلا بالجد والكد وسهر الليالي، وأنت قبلت الأذيال ولا تزال تقبلها، فما يرفعك فوق أهل الرفعة.
ألا ترى ملوك الغرب كيف يتواضعون فيكلم الملك منهم الجندي، ويضع يده على كتفه ويقول له بني وأخي؟ ألا ترى سمو أمير البلاد، ما حظي بلثم يمينه أحد إلا خرج ولسانه شاكر وقلبه منشرح، ولكني - أستغفر الله إليك - لقد قايستك مع غير نظير، ولا أطمع أن تسمو نفسك إلى أكثر مما خلقت له، فكن حيث يسر لك أن تكون، مكانك من الطبع أولى لك.
هذا حديث أتى عرضا، وها أنا منتقل إلى غيره، شجو في الفؤاد، فاض ثم تدفق، فوا حر قلباه! كم يعاني المتأمل حالات الناس من سوء أخلاقهم! التكبر وحداثة النعمة، بئس القائدان إلى العماية.
السيدات يتجملن بالثياب وبالحلي، والرجال يتجملن بالأخلاق، وإن أفتن السيدات أنضرهن أخلاقا وأطيبهن شمائل، تلك التي يتضاءل عند نور نفسها لمعان جواهرها، فما ظنك بالرجال؟
رب كرسي يضطرب فوقه حديث النعمة وكأنه جالس على قرن الثور، لو اتخذ درجة لركوب الخيل لكان أرفع قدرا، ورب متكأ يغوص فيه حديث النعمة لو تحول مربطا لجواد لكان أشرف قدرا، حداثة النعمة فتنة من شر الفتن، ولكن الشرق مظلوم، محاسنه أقل من مساوئ الغرب، وهو غير أن مختال بها، يا مطلع الشمس وموطن المجد، متى يغنيك الله عن الغرانق ويبعث فيك مثل أولئك؟ إنك لجدير بالرحمة.
الفصل الحادي عشر
بين الوحشين الأب والزوج
ألم بها في حسنها وشبابها
Página desconocida