Tahwilat Manhattan

Jorge Orwell d. 1450 AH
154

Tahwilat Manhattan

تحويلة مانهاتن

Géneros

تجلس سينثيا في متنزه باكارد تقرأ كتابا. «حسنا يا عزيزتي هل ظننت أنني لن أحضر أبدا.» «لقد أوشكت على إنهاء كتابي يا أبي.» «حسنا أيها السائق ... إلى الشمال بأسرع ما يمكنك. لقد تأخرنا على العشاء.»

بينما كانت سيارة الليموزين تطن في شارع لافاييت، استدار بلاكهيد لابنته. «إن سمعت يوما رجلا يتحدث عن واجبه بصفته مواطنا، بحق المسيح الحي لا تثقي به ... فهو يخطط لعمل مشين بنسبة تسعة من عشرة. لا تعرفين كم يثلج صدري أنك وجو تنعمان بالاستقرار والراحة في الحياة.» «ما الأمر يا أبي؟ هل كان يومك شاقا في المكتب؟» لا توجد أسواق، ليس ثمة سوق على وجه الأرض الملعونة لم تطلق عليها النيران وتحترق ... أقول لك يا سينثيا الأمر سجال. لا يستطيع أحد معرفة ما قد يحدث ... اسمعي قبل أن أنسى، هل يمكنك أن تكوني في البنك شمال المدينة في الساعة الثانية عشرة غدا؟ ... سأرسل هودجينز ببعض الأوراق المالية، الأمر شخصي كما تفهمين، أريد أن أضعها في صندوق وديعتك الآمن.» «لكنه ممتلئ عن آخره بالفعل يا أبي.» «ذلك الصندوق في شركة آستور تراست هو باسمك، أليس كذلك؟» «هو مشترك بيني وبين جو.» «حسنا، تأخذين صندوقا جديدا باسمك في بنك الجادة الخامسة ... سأرسل الأغراض إلى هناك في الظهيرة ... وتذكري ما قلته لك يا سينثيا، إن سمعت يوما زميل عمل يتحدث عن الفضيلة المدنية، فاهربي.»

يعبران شارع 14. ينظر الأب وابنته عبر الزجاج إلى الوجوه التي صفعتها الريح لأشخاص ينتظرون عبور الشارع. •••

تثاءب جيمي هيرف وسحب كرسيه للخلف. آذى بريق نيكل آلته الكاتبة عينيه. كانت أطراف أصابعه محتقنة. دفع الباب المنزلق فاتحا إياه قليلا واختلس النظر إلى غرفة النوم الباردة. تمكن بالكاد من رؤية إيلي نائمة في السرير الموجود في ركن الغرفة. في الطرف البعيد للغرفة كان مهد الطفل. وكانت ثمة رائحة حليب حامضة نوعا ما من ملابس الطفل. دفع الباب ليغلقه وبدأ في خلع ملابسه. ليتنا كانت لدينا مساحة أكبر، وكان يتمتم: نحن نعيش مكتظين في بيتنا الأشبه بقفص السنجاب ... سحب الغطاء الكشميري المغبر من فوق الأريكة وانتزع ثياب نومه من تحت الوسادة. مساحة ونظافة وهدوء، كانت الكلمات تلوح في ذهنه وكأنه يخطب في قاعة استماع شاسعة.

أطفأ الضوء، وفتح فرجة في النافذة وسقط متسمرا خالدا إلى النوم في السرير. كان على الفور يكتب رسالة على آلة اللاينوتايب الكاتبة. الآن أستلقي لأنام ... يا للشفق الأبيض العظيم. كانت ذراع الآلة يد امرأة ترتدي قفازا أبيض طويلا. عبر القعقعة من وراء أقدام كهرمانية أتى صوت إيلي: لا، لا، لا، أنت تؤذيني بذلك ... قال رجل يرتدي أفرولا يا سيد هيرف إنك تؤذي الآلة ولن نتمكن من إخراج الطبعة المبكرة. كانت الآلة كفم مزدرد بصفوف أسنان في لمعان النيكل. استيقظ معتدلا في جلسته على السرير. كان يشعر بالبرد، وكانت أسنانه تصطك. سحب الأغطية حوله وتهيأ للنوم مرة أخرى. في المرة التالية التي استيقظ فيها كان ضوء النهار قد سطع. كان يشعر بالدفء والسعادة. كانت ندفات الثلج متراقصة، مترددة، دائرة خارج النافذة الطويلة.

قالت إيلي وهي قادمة نحوه بصينية: «مرحبا يا جيمبس.» «عجبا، هل مت وذهبت إلى الجنة أو شيء من هذا القبيل؟» «لا، إنه صباح يوم الأحد ... ظننتك بحاجة لبعض الرفاهية ... لقد صنعت بعض كعكات المافن بالذرة.» «أوه، إنك رائعة يا إيلي ... انتظري لحظة، يجب أن أقفز وأغسل أسناني.» عاد وقد غسل وجهه وارتدى روب الحمام. جفل فمها تحت وطأة قبلته. «ولا تزال الساعة الحادية عشرة. لقد حصلت على ساعة في يوم إجازتي ... ألن تتناولي بعض القهوة أيضا؟» «خلال دقيقة ... اسمع يا جيمبس لدي شيء أريد أن أتحدث عنه. اسمع، ألا تظن أننا ينبغي أن نجهز مكانا آخر الآن وقد أصبحت تعمل في الليل مرة أخرى طوال الوقت؟» «أتقصدين أن ننتقل إلى منزل آخر؟» «لا، كنت أفكر إذا كان بإمكانك أن تدبر لنفسك غرفة أخرى لتنام فيها في مكان ما في المنزل؛ كي لا يزعجك أحد في الصباح.» «ولكننا يا إيلي لن نتقابل أبدا بهذا الشكل ... فنادرا ما يرى أحدنا الآخر بالفعل.» «إنه أمر مروع ... ولكن ماذا يمكننا أن نفعل وساعات عملنا مختلفة تماما؟»

جاء بكاء مارتن عاصفا من الغرفة الأخرى. جلس جيمي على حافة السرير وفنجان القهوة الفارغ على ركبتيه ينظر إلى قدميه الحافيتين. قالت بخفوت: «كما تحب تماما.» اندفعت في أنحاء جسده رغبة للإمساك بيديها، وضمها بقوة حتى يؤلمها ثم تلاشت. التقطت أغراض القهوة وابتعدت. لقد عرفت شفتاه شفتيها، وعرفت ذراعاه التفات ذراعيها، وعرف شعرها الداكن بلون الأخشاب، أحبها. جلس طويلا ينظر إلى قدميه، قدمان نحيفتان مشوبتان بالحمرة تنتأ منهما عروق زرقاء منتفخة، وأصابعهما ملتوية أتخمها الحذاء من وطء الدرج والأرصفة. وعلى كل إصبع صغير كان ثمة ثؤلول. وجد عينيه ممتلئتين بدموع الشفقة. توقف الطفل عن البكاء. دخل جيمي الحمام وفتح المياه لتتدفق في الحوض. ••• «لقد كان ذلك الرجل الآخر الذي عرفته يا آنا. لقد جعلك قدرية.» «ما معنى ذلك؟» «شخص يعتقد أنه لا فائدة من الكفاح، شخص لا يؤمن بالتقدم البشري.» «هل تظن أن بوي كان هكذا؟» «لقد كان نذلا على أي حال ... لا يوجد في هؤلاء الجنوبيين من لديهم وعي طبقي ... ألم يجعلك تتوقفين عن دفع مستحقاتك النقابية؟» «لقد سئمت العمل على ماكينة الخياطة.» «ولكن يمكنك أن تكوني عاملة يدوية، تؤدين عملا رائعا وتجنين مالا جيدا. أنت لست واحدة من ذلك النوع، أنت واحدة منا ... سأجعلك تستعيدين سمعتك ويمكنك الحصول على وظيفة جيدة مرة أخرى ... وربي لن أسمح لك أبدا بالعمل في قاعة رقص كما فعل. إنه يؤلمني بشدة يا آنا أن أرى فتاة يهودية تتسكع مع رجل كهذا.» «حسنا، لقد رحل ولم أحصل على وظيفة.» «أشخاص مثل هؤلاء هم أكبر أعداء للعمال ... إنهم لا يفكرون في أحد سوى أنفسهم.»

يسيران ببطء في الجادة الثانية في مساء ضبابي. إنه شاب يهودي أصهب الشعر نحيف الوجه ذو وجنتين غائرتين وبشرة شاحبة مزرقة. ساقاه متقوستان ككثير من عمال الملابس. أما آنا، فحذاؤها صغير عليها للغاية. وأسفل عينيها هالتان عميقتان. يمتلئ الضباب بمجموعات من المتنزهين الذين يتحدثون اليديشية، وإنجليزية الجانب الشرقي من مانهاتن ذات اللكنة المتكلفة، والروسية. تحدد الصدوع الدافئة التي ترسمها أضواء متاجر البقالة وأكشاك المشروبات الغازية ملامح الرصيف اللامع.

تهمهم آنا: «لو لم أكن أشعر بالتعب طوال الوقت.» «دعينا نتوقف هنا ونتناول مشروبا ... تناولي كوبا من الحليب الرائب يا آنا، سيجعلك تشعرين بالارتياح.» «ليس لدي رغبة فيه يا إلمير. سآخذ صودا الشوكولاتة.» «سيجعلك هذا تشعرين بالإعياء، ولكن فلتتناوليه إن أردت.» جلست على الكرسي العديم الذراعين النحيل المحاط بالنيكل. وقف بجوارها. تركت نفسها لتتكئ قليلا عليه. «مشكلة العمال هي ...» كان يتحدث بصوت منخفض يتسم بالموضوعية. «مشكلة العمال هي أننا لا نعرف شيئا، لا نعرف كيف نأكل، لا نعرف كيف نعيش، لا نعرف كيف نحمي حقوقنا ... يا إلهي يا آنا، أريد أن أجعلك تفكرين في أشياء كتلك. ألا يمكنك أن تري أننا في خضم معركة تماما كما لو كنا في حرب؟» بالملعقة الطويلة اللزجة كانت آنا تلتقط قطعا من الآيس كريم من السائل الرغوي السميك في كأسها. •••

نظر جورج بالدوين إلى نفسه في المرآة وهو يغسل يديه في الحمام الصغير خلف مكتبه. كاد شعره، الذي ما زال ينمو بكثافة إلى موضع على جبهته، أن يصبح أبيض بالكامل. كان هناك خط عميق في كل جانب من جوانب فمه وفوق ذقنه. وأسفل عينيه الثاقبتين البراقتين كان جلده مترهلا ومحببا. عندما مسح يديه ببطء وإتقان أخرج علبة صغيرة من حبوب الاستركنين من الجيب العلوي لصدريته، وابتلع واحدة، ورجع إلى مكتبه وهو يشعر بالوخز المحفز المرتجى يسري في جسده. كان ثمة ساع طويل العنق متململ بجوار مكتبه ببطاقة في يده. «هناك سيدة تريد التحدث إليك يا سيدي.» «هل حجزت موعدا؟ اسأل الآنسة رانكي ... انتظر لحظة. أدخل السيدة مباشرة إلى هذا المكتب.» كانت البطاقة مكتوبا عليها نيللي لينيهان ماك نيل. كانت ترتدي ملابس باهظة الثمن بالكثير من الدانتيل في مقدمة معطفها الفرو الكبير. وكانت ترتدي حول رقبتها نظارة يدوية على سلسلة بنفسجية. «طلب مني جاس أن آتي لرؤيتك.» قالت وهو يشير إليها للجلوس على كرسي بجوار المكتب. «كيف يمكنني مساعدتك؟» كان قلبه ينبض بقوة لسبب ما.

Página desconocida