نهض وهو يقول إنه آن له أن يذهب، ذكرني بوعدي. ثم ودعني وانصرف. •••
وقلت لرمضان ونحن نحتسي الشاي بعد العشاء: أحدهم يروم مقابلتك.
حدجني بنظرة ثاقبة، نظرة ينفذ بها إلى باطن محدثه إذا تشمم وراء كلماته أمرا. وقال متهكما: إن تكن امرأة فأهلا وسهلا بها!
وأدركت أنه أدرك ببساطة: إنه رجل، ومن رجال الأمن.
فقال مقطبا: توقعت ذلك مذ علمت بعودته إلى العاصمة. - هذا يقطع بحسن ظنك به.
فتقلص وجهه غضبا - وما أسرع انفعالاته - وقال: اللعنة! إنه مثال العقل كما يقولون، ولعله ازداد مع الأيام ثقل ظل! - لا شك أن وراء رغبته بواعث طيبة. - منذ المهد وهو يود القضاء علي! - كان يود لك أن تسلك في الدنيا مسلكه. - العقل .. الاتزان .. الاعتدال .. النظام .. الاجتهاد .. الأدب، إنه رمز الموت في عيني!
يا للذكرى، شد ما تبادلا المقت. وبازدراء متقزز كان عثمان يقول عنه «عاصفة مجنونة .. نزوة بلا ضابط .. ثور هائج معصوب العينين .. مجموعة من الأكاذيب والخرافات.» شد ما تبادلا المقت، ولكن من الغريب أنني أحببتهما معا. عثمان كان الرفيق الذي شجعني على الدرس والخلق والوطنية، وأما رمضان فكنت أهرع إليه ليروي ظمئي المكبوت إلى الانطلاق والأسطورة والغاية. وقلت له: إنه أخوك على أي حال. - ماذا يريد مني؟ - ليس من الصعب أن نتخيل. - لعلها مكيدة!
فقلت محتجا: كلا .. ألف مرة كلا. - العقل يعني الحكمة، والأنانية، والجبن. - لك أن ترفض إذا شئت! - يجب أن يعرف أنني لا أخشاه. - إذن فلنحدد موعدا؟ - ولكني لن أقع كذبابة. - والرأي؟ - لعله يريد أن ينتقم! - لقد انقضى الماضي واختفى، وهو اليوم زوج وأب سعيد.
تذكرت عروس عثمان الأولى التي هربت مع رمضان موقعة بالأسرة زلزالا، وكيف عاملها بعد معاشرة أسبوع بوحشية حتى اضطرت إلى الاختفاء مجللة بالعار واليأس. وعدت أقول: لقد مضى ذلك وانقضى، ولك أن ترفض إذا شئت.
فتفكر مليا، ثم قال: ادعه .. وسوف أحضر متأخرا بعد أن آخذ حذري. •••
Página desconocida