160

Liberación y Iluminación

التحرير والتنوير

Editorial

الدار التونسية للنشر

Ubicación del editor

تونس

الْإِشْرَاكِ فِيهِمْ فَكَانَ أَصْلُ وَضْعِهِ دَالًّا عَلَى انْفِرَادِهِ بِالْأُلُوهِيَّةِ إِذْ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ فَلِذَلِكَ صَارَ عَلَمًا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ الْعَلَمِ بِالْغَلَبَةِ بَلْ مِنْ قَبِيلِ الْعَلَمِ بِالِانْحِصَارِ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَلَا بِدَعَ فِي اجْتِمَاعِ كَوْنِهِ اسْمَ جِنْسٍ وَكَوْنِهِ عَلَمًا، وَلِذَلِكَ أَرَادُوا بِهِ الْمَعْبُودَ بِحَقٍّ رَدًّا عَلَى أَهْلِ الشِّرْكِ قَبْلَ دُخُولِ الشِّرْكِ فِي الْعَرَبِ وَإِنَّنَا لَمْ نَقِفْ عَلَى أَنَّ الْعَرَبَ أَطْلَقُوا الْإِلَهَ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ مُفْرَدًا عَلَى أَحَدِ أَصْنَامِهِمْ وَإِنَّمَا يضيفون فَيَقُولُونَ إلاه بَنِي فُلَانٍ وَالْأَكْثَرُ أَنْ يَقُولُوا رَبُّ بَنِي فُلَانٍ أَوْ يَجْمَعُونَ كَمَا قَالُوا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَرْضُ الْآلِهَةِ، وَفِي حَدِيثِ فَتْحِ مَكَّةَ: «وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ الْبَيْتَ فِيهِ الْآلِهَةَ» . فَلَمَّا اخْتَصَّ الْإِلَهُ بِالْإِلَهِ الْوَاحِدِ وَاجِبِ الْوُجُودِ اشْتَقُّوا لَهُ مِنَ اسْمِ الْجِنْسِ عَلَمًا زِيَادَةً فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ الْحَقِيقُ بِهَذَا الِاسْمِ لِيَصِيرَ الِاسْمُ خَاصًّا بِهِ غَيْرَ جَائِزِ الْإِطْلَاقِ عَلَى غَيْرِهِ سُنَنِ الْأَعْلَامِ الشَّخْصِيَّةِ،
وَأَرَاهُمْ أَبْدَعُوا وَأَعْجَبُوا إِذْ جَعَلُوا عَلَمَ ذَاتِهِ تَعَالَى مُشْتَقًّا مِنَ اسْمِ الْجِنْسِ الْمُؤْذِنِ بِمَفْهُومِ الْأُلُوهِيَّةِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ ذَاتَهُ تَعَالَى لَا تستحضر عِنْد وَاضح الْعَلَمِ وَهُوَ النَّاطِقُ الْأَوَّلُ بِهَذَا الِاسْمِ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ إِلَّا بِوَصْفِ الْأُلُوهِيَّةِ (١) وَتَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَوْلَى مَنْ يُؤَلَّهُ وَيُعْبَدُ لِأَنَّهُ خَالِقُ الْجَمِيعِ فَحَذَفُوا الْهَمْزَةَ مِنَ الْإِلَهِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ هَذَا اللَّفْظِ عِنْدَ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ تَعَالَى كَمَا حَذَفُوا هَمْزَةَ الْأُنَاسِ فَقَالُوا النَّاسُ وَلِذَلِكَ أَظْهَرُوهَا فِي بَعْضِ الْكَلَامِ. قَالَ الْبَعِيثُ بْنُ حُرَيْثٍ (٢) .
مَعَاذَ الْإِلَهِ أَنْ تَكُونَ كَظَبْيَةٍ ... وَلَا دُمْيَةٍ وَلَا عَقِيلَةِ رَبْرَبٍُ

(١) فَيكون وصف الألوهية طَرِيقا لاستحضار الذَّات الْمَقْصُودَة بالعلية وَلذَلِك لَا يَجْعَل الِاسْم الْعلم وَصفا قَالَ السَّيِّد فِي «شرح الْكَشَّاف»: الِاسْم قد يوضع لذات مُبْهمَة بِاعْتِبَار معنى يقوم بهَا فيتركب مَدْلُوله من صفة معنى وَمن ذَات مُبْهمَة فَيصح إِطْلَاق الِاسْم على كل متصف بِتِلْكَ الصّفة وَهَذَا يُسمى صفة وَلذَلِك الْمَعْنى الْمُعْتَبر فِيهِ يُسمى مصحح الْإِطْلَاق كالمعبود مثلا. وَقد يوضع لذات مُعينَة من غير مُلَاحظَة شَيْء من الْمعَانِي الْقَائِمَة بهَا وَهَذَا يُسمى اسْما لَا يشْتَبه بِالصّفةِ كإبل وَفرس، وَقد يوضع لذات مُعينَة ويلاحظ عِنْد الْوَضع معنى لَهُ نوع تعلق بهَا. وَذَلِكَ نَوْعَانِ:
الأول أَن يكون الْمَعْنى خَارِجا عَن الْمَوْضُوع لَهُ وَلكنه سَبَب باعث على تعْيين الِاسْم بإزائه كأحمر إِذا جعل علما لمولود فِيهِ حمرَة. النَّوْع الثَّانِي أَن يكون ذَلِك الْمَعْنى دَاخِلا فِي مَفْهُومه كأسماء الزَّمَان وَالْمَكَان وَهَذَانِ النوعان شَدِيدا الِاشْتِبَاه بِالصِّفَاتِ، ومعيار الْفرق أَنَّهُمَا يوصفان وَلَا يُوصف بهما اهـ يَعْنِي والإله من النَّوْع الأول من الْقسم الثَّالِث.
(٢) وَبعد الْبَيْت:
وَلكنهَا زَادَت على الْحسن كُله ... كمالا وَمن طيب على كل طيب
وَهَذَا من التَّنْزِيه على التَّشْبِيه وَهَذَا الشَّاعِر غير مولد كَمَا هُوَ ظَاهر كَلَام المعري الَّذِي نَقله الْخَطِيب التبريزي فِي «شَرحه على الحماسة» .

1 / 163