وبناء على هذا: فمعنى قوله: "تحرير الفتاوي أنه يُعنَى بذكر القول الراجح، الذي يلزم الفتيا به في المذهب، لقوة دليله، ووضوح تعليله، إضافة إلى عنايته بتبيين وتقويم وإصلاح ما أبهم في عبارات الكتب الثلاثة، والتعليق على ما يحتاج إلى تعليق منها، والتنبيه إلى دقائق العبارات، والغوص على لطيف الإشارات، وغير ذلك مما يظهر ملكة هذا الإمام الفقهية، والتمكن من قواعده، والتعريف بالراجح من الأقوال إذا احتدم الخلاف، وغير ذلك من الفوائد العزيزة، التي قيدتها يراعة هذا الإمام.
(ج)
أما الكتب الثلاثة التي عينها .. فأولها: "التنبيه"، وهو كتاب ألفه الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي الفيروزآبادي المولود سنة (٣٩٣ هـ)، والمتوفى سنة (٤٧٦ هـ)، وهو إمام الشافعية في عصره بلا منازع، قال فيه الإمام النووي رحمه الله تعالى: (هو الإمام المحقق، المتقن المدقق، ذو الفنون من العلوم المتكاثرات، والتصانيف النافعة المستجادات، الزاهد العابد الورع ...) إلى آخر التحلية المذهبة (١).
ولكتاب "التنبيه" أهميته الخاصة، ومميزاته الفريدة، فهو أحد الكتب الخمسة المعتمدة المتداولة في المذهب، كما ذكر النووي رحمه الله تعالى (٢).
وهذا الإمام النووي رحمه الله تعالى على جلالة قدره، وعلو كعبه، وحسن مصنفاته، يقول في "التنبيه": (هو من الكتب المشهورات النافعات المباركات، فينبغي لمريد نصح المسترشدين، وهداية الطالبين: أن يعتني بتقريبه وتحريره وتهذيبه) إلى أن قال: (فإذا علم ما ذكرته .. حصل منه أن مذهب الشافعي ﵁ العمل بما تضمنه "التنبيه" مع هذه الكراسة - يعني تصحيحه) (٣).
وقد اهتم الشافعية بهذا الكتاب اهتمامًا كبيرًا، وأولوه عناية فائقة؛ فمن بين شارح ومختصر ومصحح، ومخرج لأحاديثه، ومبين لغريبه، وكأن الإمام أبا زرعة العراقي استجاب لطلب الإمام النووي حين دعا علماء الشافعية إلى العناية بتحريره وتهذيبه.
أما الكتاب الثاني .. فهو "المنهاج" وإذا أطلق .. فالمراد به "منهاج" الإمام الرباني، والعلامة
_________
(١) تهذيب الأسماء واللغات (٢/ ٣٧٠).
(٢) الكتب الخمسة هي: "التنبيه"، و"مختصر المزني"، و"المهذب"، و"الوسيط"، و"الوجيز". انظر "تهذيب الأسماء واللغات" (١/ ٥٢)، وبمشيئة الله تعالى سوف تطبع قريبًا دار المنهاج "الوجيز" طبعة محققة مضبوطة.
(٣) تصحيح التنبيه للنووي (١/ ٦١ - ٦٣).
1 / 9