أنه ليس مما يتعين على المسلمين العلم به واعتقاده وتمحض لأن يون مسألة علمية من المسائل التي تتعلق بالمعارف الإسلامية التي يؤثر في شأنها خبر عن رسول الله ﷺ أو عن سلف علماء الأمة، فهي بمنزلة الخوض في حديث موسى والخضر، أو في حديث ذي السويقتين من الحبشة الذي يخرب الكعبة حجرًا حجرًا، أو في أشراط الساعة، أو نحو ذلك مما يبحث عنه علماء الأثر رواية ودراية بمعنى أن يكون الخوض فيها خوضًا علميًّا لتوسيع المعرفة والتحقيق والتمحيص للعلوم الإسلامية لمن تفرغ لذلك، ولا يكون من متناول عامة المسلمين؛ إذ ليسوا بمظنة السلوك في تلكم المسالك، وإنما اشتبه هذا المبحث على بعض الناس بالمسائل الاعتقادية لسببين:
أحدهما: أنه لما كان متعلق هذا المبحث راجعًا إلى التصديق بوقوع شيء أو عدم وقوعه كان محله الاعتقاد والعقل، وكان من الواضح أنه ليس بعمل ولا أدب فأشبه المسائل الاعتقادية ولكن شتان بين كون الشيء من مطلق المدركات بالعقل وحاصلا اطمئنان القلب بوقوعه أو عدم وقوعه، وبين كونه من خصوص ما يجب اعتقاده شرعًا لتعلقه بتقوم حقيقة الإيمان والإسلام أو توقفهما عليه.
وبعد هذا فالواجب التنبيه إلى أن هذا المعلوم لو كان داخلًا في العقيدة الإسلامية التي يطالب المؤمنون بإثباتها لما كفى في إثباته أخبار الآحاد؛ لأن الاعتقاد الديني مما يطلب فيه القطع واليقين، والقطع واليقين لا يحصل في مثل الأمور الاعتقادية إلا بأحد أمرين: البرهان العقلي، والخبر الشرعي القطعي، وهو ما كانت نسبته إلى الشرع قطعية وهو الخبر المتواتر مثل القرآن وأخبار الرسول المتواترة بالنسبة لعصر الصحابة، ثم كانت دلالته على المراد منه قطعية أيضًا؛ كإيجاب الصلاة، وتحريم السرقة؛ إذ قد يكون الخبر مقطوعًا بصدوره من الله أو رسوله، ولكن معناه ليس مقطوعًا به إذا لم يكن من قبيل النص، بل كان من قبيل الظاهر الذي يحتمل معنيين: أحدهما راجح، أو من قبيل المجمل الذي يحتمل معنيين على السواء، وهذا كثير تجد أمثلته فيما اختلف علماء الأمة في المراد منه آيات القرآن.
وليس بين أيدينا الآن من المتواتر غير القرآن وما هو معلوم من الدين بالضرورة.
وأما الأحاديث المتواترة فقد قال علماؤنا: ليس في السنة متواتر لتعذر وجود العدد الذين يستحيل تواطؤهم على الكذب في جميع عصور الرواة بيننا وبين
1 / 50