بحيث لا يلحق الإنسان من أحكام الإسلام حرج ولا مشقة، قال الله تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾ [المائدة: ٦]، وقال: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥]، وفي الحديث: «إن هذا الدين يُسر».
ولذلك بينَّ الله كون الدين فطرة، بقوله: ﴿الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ﴾، أي: خلقهم قابلين لأحكام هذا الدين وتعاليمه، صالحين بالعمل بها في نظام أمورهم وحياتهم؛ لأنها تساوي العمل السليم والفكر الصحيح.
بيان ذلك أن الفطرة هي النظام الجبلي الذي أوجده الله في الإنسان جسدًا وعقلًا، فمشي الإنسان على رجليه فطرة جسدية، فلو حاول أن يتناول الأشياء برجليه كان محاولًا خلاف الفطرة الجسدية، واستنتاج المسببات من أسبابها والنتائج من مقدَّماتها فطرة عقلية، فإن حاول الإنسان استنتاج أمر من غير سبب كان محاولًا خلاف الفطرة العقلية، وجزمنا بأن ما نبصر من المبصرات هو حقائق ثابتة في عالم الوجود فطرة عقلية، ولكن إنكار السوفسطائية ثبوت المحسوسات في نفس الأمر تحريف للفطرة العقلية.
وقد بيَّن أبو علي بن سينا حقيقة الفطرة، فقال: «ومعنى الفطرة أن يتوهم الإنسان نفسه حصل في الدنيا دفعة وهو عاقل، لكنه لم يسمع رأيًا ولم يعتقد مذهبًا ولم يعاشر أمة، ولم يعرف سياسة، ولكنه شاهد المحسوسات وأخذ منها الحالات، ثم يعرض على ذهنه شيئًا ويتشكك فيه فإن لأمكنه الشك فالفطرة لا تشهد به، وإن لم يمكنه الشك فهو ما توجيه الفطرة، وليس كل ما توجبه فطرة الإنسان بصادق، إنما الصادق فطرة القوة التي تسمى عقلًا وأنها فطرة الذهن بالجملة فربما كانت كاذبة، وإنما يكون هذا الكذب في الأمور التي ليست محسوسة بالذات بل هي مبادئ للمحسوسات.
فالفطرة الصادقة هي مقدمات وآراء مشهورة محمودة، أوجبت التصديق بها إما شهادة الكل مثل: إن العدل جميل، وإما شهادة الأكثر، وإما شهادة العلماء والأفاضل منهم، وليست الذايعات من جهة ما هي ذايعات مما يقع التصديق بها في الفطرة، فما كان من الذايعات ليس بأوليَّ عقليَّ ولا وهمي فإنها غير فطرية ولكنها متقررة عند الأنفس؛ لأن العادة مستمرة عليها منذ الصبا، وربما دعا إليها محبة التسالم والاصطناع المضطر إليهما الإنسان، أو شيء من الأخلاق الإنسانية مثل:
1 / 37