مراجعة في تفسير قوله تعالى:
﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣]
طالعت في الجزء السادس من المجلة الزيتونية بحثًا نفسيًا دبجه قلم الأستاذ الفاضل المنزل مني منزلة الابن البار الشيخ الناصر الصدام في ما يعول عليه من تفسير قوله تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣]، فرأيته ختم بحثه بالرغبة في إحقاق الحق من معنى الآية، وعلمت أنه يحب مجاذبة البحث مما أكده من الرجاء والحث، فهز عطفي إلى تذكر عهد زمن مديد، بأن أسايره بتكملة وتأييد، وفصل بين قريب وبعيد، أقول:
إن ما استظهره في معنى الآية الأظهر وهو المأثور عن ابن عباس في صحيح البخاري وغيره وتابعه عليه أساطين المفسرين من التابعين مجاهد وقتادة وعكرمة ومقاتل وطاوس والشعبي والسدي والضحاك، وهو الذي اقتصر عليه البخاري في كتاب التفسير وعياض في الباب الأول من كتاب الشفاء، وعلى ذلك التفسير تكون ﴿فيِ﴾ من قوله تعالى: ﴿فِي الْقُرْبَى﴾ تعليلية، ومما لا يشك فيه المضطلع بأسرار كلام البلغاء أن التعليل الذي يستفاد بـ ﴿فيِ﴾ غير التعليل الذي يستفاد بلام التعليل؛ لأن التعليل بـ ﴿فيِ﴾ إنما هو معنى عارض لها متفرع عن معنى الظرفية الأصلي فيها، فإن ﴿فيِ﴾ قد تستعار للظرفية المجازية، ومن صور تلك الظرفية المجازية: أن تنزل علة الشيء وسببه منزلة الظرف الواقع الشيء فيه لما في المجاز من الدقة والبيان؛ وذلك مقتضى العدول عن الحقيقة إلى المجاز، فللَّه در الشيخ صاحب البحث من تطرقه إلى بيان موجب العدول عن لام التعليل إلى حرف الظرفية.
أما ما ارتآه من إشعار حرف الظرفية بأضعف مما يشعر به حرف التعليل في التسبب فلا أشايعه عليه ولا أحسبه مرادًا من استعمال العرب، ألا ترى قول الحماسي وهو سبرة الفقعسي من شعراء الجاهلية:
نحابي بها أكفاءنا ونهينها ... ونشرب في أثمانها ونقامر
وقد كنت ذكرت في شرحي على الحماسة المسمى «فوائد الأمالي التونسية على فرائد اللآلي الحماسية»، أن ﴿فيَ﴾ للظرفية المجازية، أي: تحصل معاقرة الخمر ومعاطاة الميسر بأثمان تلك الإبل، فربما كان الأكثر للشرب، وربما كان الأكثر للقمار، والكل
1 / 20