جواب أبي الفضل جعفر بن نصر البغدادي ما ذكره القاضي أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي_ رضي الله عنه_ عن رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ أنه قرأ وكتب بيده قبل أن يموت، قول معروف صحيح عند علمائنا الذين بهم نقتدي. وان كتابة_ صلى الله عليه وسلم_ من احدى معجزاته الذي أظهرها الله على يديه. كما تلا ولم يك قبل ذلك يتلو، ولا ينكر شيئا من ذلك من له أقل فهم، فكيف من تصدر لتدريس الحديث ومعرفة معانيه؟ وقد صح ذلك عنه_ صلى الله عليه وسلم_. رواه الشعبي، وأخرجه (¬1) ابن أبي شيبة في كتابه. وحسبي أنه قد ذاكرني به الشيخ أبو ذر عبد بن أحمد الهروي_ رضي الله عنه_ بمكة، ورأيته يذهب إلى أن النبي_ صلى الله عليه وسلم_ ما مات حتى كتب وقرأ بيده_ صلى الله عليه وسلم_ (¬2) وقد روى منها هذا محمد بن خلف وكيع (¬3) /ص137/ قال عباس بن محمد: قال أبو النضر هاشم بن القاسم: قال أبو عقيل: قال مجالد بن سعيد/ قال: أخبرنا عون ابن عبد الله، عن أبيه قال: (ما مات رسول الله_ صلى الله عليه وسلم_ حتى كتب وقرأ) (¬4) فذكر هذا الحديث حينئذ للشعبي فقال: صدق. قد أخبرني جد أصحابي بذلك عن القاضي أبي جعفر السمناني، والقاضي الجليل أبي بكر بن الطيب، وأبي عبيد القاسم بن سلام_ رضي الله عنهم_ ومكانهم من اللغة، ومعرفة اللسان وتوجيه الأحاديث المكان الذي لا يخفى على أحد، فكيف تنكر هذه الفضيلة لرسول الله_ صلى الله عليه وسلم_؟ وقد قال الله تعالى: (العنكبوت_ 48). إلى أخر الأية. "فكما" (¬5) "تلا" (¬6) _ صلى الله عليه وسلم_ بعد أن لم يكن يكتب، وتكون الكتابة له في ذلك الموطن اعجازا (¬1)، أو زيادة فضيلة. وأما حجة (¬2) من احتج بالآية، وذلك قوله: /ص138/ (الأعراف_ 157_ 158)، فلا حجة فيه لخصم، اذ هو_ صلى الله عليه وسلم_ منسوب بذلك إلى أمته. والذي يصحح ما ذكرناه، قوله تعالى: (الجمعة_2)، وقد يجوز أن تقع تسمية الأمية على من يقرأ ويكتب، فلا معنى للحجة بها، اذ ليست أميته معجزة له، ولو تحدى بالأمية، لقابله عشرة آلاف (¬3) أو يزيدون، وقال فلا حجة في الأمية لأحد، وإنما الحجة البينة، ما أتى به من القرآن الذي فارق نظمه جميع النظوم من الكلام وغيره. وأما كتابته_ صلى الله عليه وسلم_ في ذلك الموطن خاصة، فلا يخرجه ذلك عن حد الأمية، ولا يسمى بذلك كاتبا، كما جاء من قوله ووجد ما هو متزن في الكلام فقال: هل أنت إلا أصبع دميت= وفي سبيل الله ما لقيت (¬4) /ص139/ فمن أتى بمثل هذا، لا يسمى القائل شاعرا، فكذلك لا يكون له النبي_ صلى الله عليه وسلم_ كاتبا بوجود كتابة له، ولا يخرج عن كون الأمية بها. فلا يحل لأحد أن يرد عليه قوله، اذ كل ما أتى به صحيح بين لمن أنصف من نفسه، وراجع بصيرته، ولا يحل لأحد أن يعيقه مما أتى به، اذ هو امام جميعنا، وامام الأمة في المشرق والمغرب، ولا سيما العراق وبغداد وغيرهما، مفتقرة لمثل هذا العالم، لمعرقته بالصحيح من الحديث والسقيم. فلو نهض كل من رد عليه في اثباته هذه المعجزة المشهورة لرسول الله_صلى الله عليه وسلم_ ليتعلموا منه أوائل المفترضات لكان بهم أحري، ويزيلوا عن أنفسهم الحسد والبغي، فهم (التوبة_ 32). فهذا ما حضر من الجواب. أسأل الله تعالى أن يمن علينا بالهداية، (الأعراف_ 43).
/ص140/ الجواب الخامس
/ص141/ بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد رسوله الكريم
جواب أبي العباس أحمد بن محمد
الحراني
تأملت_ وفق الله الشيوخ للخير، وأعانهم عليه، ما جرى للشيخ الفقيه، أبي الوليد_ أكرمه الله_ من الكلام في الحديث المروي في الصحيح وفي غيره، وكلامه عليه، وبيان ما يجب بيانه من ذلك، وتقسيمه وتوجيهه، وما رواه من الزيادة التي يحتاج اليها فيه من شيوخه_ رحمهم الله_ فكل ذلك حسن صواب، لا يحل لمن ينسب إلى العلم والخير أن يضلله بذلك، ولا يجوز أن يوذى امام من أئمة المسلمين، معروف خيره وصحة مذهبه وعلمه بالفقه والكلام، ولا أن يطلق عليه التضليل والتبديع. وهذا لا يخفى على أهل العلم. وما ظننت أن أهل العلم ببلدكم_ رحمه الله_ يركبون من هذا الرجل ما ركبوه، ولا أن يطلقوا على هذا العالم الاطلاق الذي أطلقوه. ولو استفتوا في من قال: في أدنى المؤمنين مثل ما قالوه هم: في فقيه جليل، لبالغوا وبادروا برد الجواب بعقوبة من آذى مؤمنا فكيف "بايذاء" (¬1) امام من أئمة الدين؟ وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما.
Página 97