فيستخرج العقل أسباب هذه كلها من مباد عقلية ويحكم عليها احكاما صحيحة وكذلك الحال في حاسة السمع وحاسة الذوق وحاسة الشم وحاسة اللمس. أعني حاسة الذوق تغلط في الحلو تجده مرا عند الصد أو أشبهه وحاسة الشم تغلط كثيرا في الأشياء المنتنة لا سيما في المنتفل من رائحة إلى رائحة فالعقل يرد هذه القضايا ويقف فيها ثم يستخرج أسبابها ويحكم فيها أحكاما صحيحة والحاكم في الشيء المزيف له أو المصحح أفضل وأعلى رتبة من المحكوم عليه وبالجملة فإن النفس إذ علمت أن الحس صدق أو كذب فليست تأخذ هذا العلم من الحس ثم إذا علمت أنها قد أدركت معقولاتها فليست تعلم هذا العلم من علم آخر لأنها لو علمت هذا العلم من علم آخر لاحتاجت في ذلك العلم أيضا إلى علم آخر وهذا يمر بلا نهاية فإذا علمها بأنها علمت ليست بمأخوذ من علم آخر البتة بل هو من ذاتها وجوهرها أعني العقل وليست تحتاج في إدراكها ذاتها إلى شيء آخر غير ذاتها ولهذا ما قيل في أواخر هذا العلم. إن العقل والعاقل والمعقول شيء واحد لاغيرية شيء يتبين في موضعه. فأما الحواس فلا تحس ذواتها ولا ما هو موافق لها كل الموافقة كما سيتبين أيضا وإذ قد تبين من هذه الأشياء بيانا واضحا إن النفس ليست بجسم ولا بجزء من جسم ولا حال من أحوال الجسم وإنها شيء آخر مفارق للجسم بجوهره وأحكامه وخواصه وأفعاله فتقول:
1 / 17