بفعل الفاعل. فكونه مسبوق العدم ليس بفعل الفاعل فلا تعلق له به. فاشتراطه في كونه فعلًا اشتراط ما لا تأثير للفاعل فيه بحال. وأما قولكم: إن الموجود لا يمكن إيجاده، إن عنيتم به أنه لا يستأنف له وجود بعد عدم فصحيح.
لا إيجاد إلا لموجود
وإن عنيتم به أنه في حال كونه موجودًا لا يكون موجدًا، فقد بينا أنه يكون موجدًا في حال كونه موجودًا لا في حال كونه معدومًا. فإنه إنما يكون الشيء موجدًا إذا كان الفاعل موجدًا، ولا يكون الفاعل موجدًا في حال العدم بل في حال وجود الشيء منه. والإيجاد مقارن لكون الفاعل موجدًا وكون المفعول موجدًا لأته عبارة عن نسبة الموجد إلى الموجد، وكل ذلك مع الوجود لا قبله. فإذن لا إيجاد إلا لموجود إن كان المراد بالإيجاد النسبة التي بها يكون الفاعل موجدًا والمفعول موجدًا.
العالم فعل الله أزلًا وأبدًا
قالوا: ولهذا قضينا بأن العالم فعل الله أزلًا وأبدًا، وما من حال إلا وهو فاعل له لأن المرتبط بالفاعل الوجود، فإن دام الارتباط دام الوجود، وإن انقطع انقطع لا كما تخيلتموه من أن البارئ لو قدر عدمه لبقى العالم، إذ ظننتم أنه كالبناء مع البناء، فإنه ينعدم ويبقى البناء، فإن بقاء البناء ليس بالباني بل هو باليبوسة الممسكة لتركيبه، إذ لو لم يكن فيه قوة ماسكة كالماء مثلًا لم يتصور بقاء الشكل الحادث بفعل الفاعل فيه.
قولنا الفعل يتعلق بالفاعل من حيث حدوثه ..؟
والجواب: إن الفعل يتعلق بالفاعل من حيث حدوثه لا من حيث عدمه السابق ولا من حيث كونه موجودًا فقط، فإنه لا يتعلق به في ثاني حال الحدوث عندنا وهو موجود، بل يتعلق به في حال حدوثه من حيث أنه حدوث وخروج من العدم إلى الوجود، فإن نفى منه معنى الحدوث لم يعقل كونه فعلًا ولا تعلقه بالفاعل.
ولا يتعلق به سبق العدم
وقولكم: إن كونه حادثًا يرجع إلى كونه مسبوقًا بالعدم وكونه مسبوقًا بالعدم، ليس من فعل الفاعل وجعل الجاعل فهو كذلك، لكنه شرط في كون الوجود فعل الفاعل، أعني كونه مسبوقًا
1 / 140