الأول فنقول: الفاعل عبارة عمن يصدر منه الفعل، مع الإرادة للفعل على سبيل الاختيار ومع العلم بالمراد. وعندكم أن العالم من الله كالمعلول من العلة يلزم لزومًا ضروريًا، لا يتصور من الله دفعه، لزوم الظل من الشخص والنور من الشمس، وليس هذا من الفعل في شيء.
ولا يقال الفاعل فاعلًا إلا على وجه الإرادة والاختيار
بل من قال إن السراج يفعل الضوء والشخص يفعل الظل فقد جازف وتوسع في التجوز توسعًا خارجًا من الحد واستعار اللفظ اكتفاء بوقوع المشاركة بين المستعار له والمستعار عنه في وصف واحد، وهو أن الفاعل سبب على الجملة والسراج سبب الضوء والشمس سبب النور. ولكن الفاعل لم يسم فاعلًا صانعًا بمجرد كونه سببًا بل بكونه سببًا على وجه مخصوص، وهو على وجه الإرادة والاختيار، حتى لو قال القائل: الجدار ليس بفاعل والحجر ليس بفاعل والجماد ليس بفاعل وإنما الفعل للحيوان، لم ينكر ذلك ولم يكن قوله كاذبًا. وللحجر فعل عندهم وهو الهوى والثقل والميل إلى المركز، كما أن للنار فعلًا وهو التسخين، وللحائط فعل وهو الميل إلى المركز ووقوع الظل، فإن كل ذلك صادر منه، وهذا محال.
قولهم الفعل جنسان ..
فإن قيل: كل موجود ليس واجب الوجود بذاته بل هو موجود بغيره، فإنا نسمي ذلك الشيء مفعولًا ونسمي سببه فاعلًا ولا نبالي كان السبب فاعلًا بالطبع أو بالإرادة، كما أنكم لا تبالون أنه كان فاعلًا بآلة أو بغير آلة. بل الفعل جنس وينقسم إلى ما يقع بآلة وإلى ما يقع بغير آلة، فكذلك هو جنس وينقسم إلى ما يقع بالطبع وإلى ما يقع بالاختيار.
ويقال "فعل" بالطبع والاختيار
بدليل أنا إذا قلنا "فعل" بالطبع لم يكن قولنا "بالطبع" ضدًا لقولنا "فعل"، ولا دفعًا ونقضًا له بل كان بيانًا لنوع الفعل كما إذا قلنا "فعل" مباشرة بغير آلة لم يكن نقضًا بل كان تنويعًا وبيانًا. وإذا قلنا "فعل" بالاختيار لم يكن
1 / 135