الثالث
قولهم إمكان العالم كان موجودًا، فالعالم أيضًا كان موجودًا
تمسكوا بأن قالوا: وجود العالم ممكن قبل وجوده، إذ يستحيل أن يكون ممتنعًا ثم يصير ممكنًا، وهذا الإمكان لا أول له، أي لم يزل ثابتًا ولم يزل العالم ممكنًا وجوده، إذ لا حال من الأحوال يمكن أن يوصف العالم فيه بأنه ممتنع الوجود. فإذا كان الإمكان لم يزل فالممكن على وفق الإمكان أيضًا لم يزل، فإن معنى قولنا أنه ممكن وجوده أنه ليس محالًا وجوده. فإذا كان ممكنًا وجوده أبدًا لم يكن محالًا وجوده أبدًا، وإلا فإن كان محالًا وجوده أبدًا بطل قولنا إنه ممكن وجوده أبدًا، وإن بطل قولنا إنه ممكن وجوده أبدًا بطل قولنا إن الإمكان لم يزل، وإن بطل قولنا إن الإمكان لم يزل صح قولنا إن الإمكان له أول، وإذا صح أن له أولًا كان قبل ذلك غير ممكن، فيؤدي إلى إثبات حال لم يكن العالم ممكنًا ولا كان الله عليه قادرًا.
اعتراض العالم لم يزل ممكن الحدوث
الاعتراض أن يقال: العالم لم يزل ممكن الحدوث، فلا جرم ما من وقت إلا ويتصور أحداثه فيه، وإذا قدر موجودًا أبدًا لم يكن حادثًا فلم يكن الواقع على وفق الإمكان بل خلافه. وهذا كقولهم في المكان وهو أن تقدير العالم أكبر مما هو، أو خلق جسم فوق العالم ممكن، وكذى آخر فوق ذلك الآخر، وهكذا إلى غير نهاية. فلا نهاية لإمكان الزيادة ومع ذلك فوجود ملاء مطلق لا نهاية له غير ممكن. فكذلك وجود لا ينتهي طرفه غير ممكن، بل كما يقال الممكن جسم متناهي السطح ولكن لا تتعين مقاديره في الكبر والصغر، فكذلك الممكن الحدوث ومبادئ الوجود لا تتعين في التقدم والتأخر وأصل كونه حادثًا متعين فإنه الممكن لا غير.
1 / 118