وجود ذاتين، وليس من ضرورة ذلك تقدير شيء ثالث، وإن كان الوهم لا يسكن عن تقدير ثالث فلا التفات إلى أغاليط الأوهام.
...
قولهم لا، بل على أمر ثالث
فإن قيل لقولنا: كان الله ولا عالم، مفهوم ثالث سوى وجود الذات وعدم العالم، بدليل أنا لو قدرنا عدم العالم في المستقبل كان وجود ذات وعدم ذات حاصلًا ولم يصح أن نقول: كان الله ولا عالم، بل الصحيح أن نقول: يكون الله ولا عالم. ونقول للماضي: كان الله ولا عالم. فبين قولنا "كان" و"يكون" فرق، إذ ليس ينوب أحدهما مناب الآخر. فلنبحث عن ما يرجع إليه الفرق: ولا شك في أنهما لا يفترقان في وجود الذات ولا في عدم العالم بل في معنى ثالث، فإنا إذا قلنا لعدم العالم في المستقبل: كان الله ولا عالم، قيل لنا: هذا خطأ فإن "كان" إنما يقال على ماض، فدل أن تحت لفظ "كان" مفهومًا ثالثًا وهو الماضي، والماضي بذاته هو الزمان، والماضي بغيره هو الحركة فإنها تمضي بمضي الزمان. فبالضرورة يلزم أن يكون قبل العالم زمان قد انقضى حتى انتهى إلى وجود العالم.
قولنا ليس هو إلا نسبة إلينا
قلنا: المفهوم الأصلي من اللفظين وجود ذات وعدم ذات. والأمر الثالث الذي فيه افتراق اللفظين نسبة لازمة بالإضافة إلينا، بدليل أنا لو قدرنا عدم العالم في المستقبل ثم قدرنا لنا بعد ذلك وجودًا ثانيًا لكنا عند ذلك نقول: كان الله ولا عالم. ويصح قولنا، سواء أردنا به العدم الأول أو العدم الثاني الذي هو بعد الوجود، وآية أن هذه نسبة، أن المستقبل بعينه يجوز أن يصير ماضيًا فيعبر عنه بلفظ الماضي.
قبل المبتدأ نتوهم "قبلًا" ...
وهذا كله لعجز الوهم عن فهم وجود مبتدأ إلا مع تقدير "قبل" له، وذلك "القبل" الذي لا ينفك الوهم عنه يظن أنه شيء محقق موجود هو الزمان.
...
كما نتوهم وراء العالم "فوقًا"
وهو كعجز الوهم عن أن يقدر تناهي الجسم في جانب الرأس مثلًا إلا على سطح له فوق، فيتوهم أن وراء العالم مكانًا إما ملاء وإما خلاء. وإذا قيل: ليس فوق سطح العالم فوق ولا بعد أبعد منه، كاع الوهم عن
1 / 111