[30] وليس يجوز احد من الحكماء وجود اسباب لا نهاية لها كما تجوزه الدهرية لانه يلزم عنه وجود مسبب من غير سبب ومتحرك من غير محرك لكن القوم لما أداهم البرهان الى ان ههنا مبدأ محركا ازليا ليس لوجوده ابتداء ولا انتهاء وان فعله يجب ان يكون غير متراخ عن وجوده لزم ان لا يكون لفعله مبدأ كالحال فى وجوده والا كان فعله ممكنا لا ضروريا فلم يكن مبدأ أولا فيلزم ان تكون افعال الفاعل الذى لا مبدأ لوجوده ليس لها مبدأ كالحال فى وجوده واذا كان ذلك كذلك لزم ضرورة ان لا يكون واحد من افعاله الاولى شرطا فى وجود الثانى لان كل واحد منهما هو غير فاعل بالذات وكون بعضها قبل بعض هو بالعرض فجوزوا وجود ما لا نهاية له بالعرض لا بالذات بل لزم ان يكون هذا النوع مما لا نهاية له أمرا ضروريا تابعا لوجود مبدأ أول ازلى .
[31] وليس ذلك فى امثال الحركات المتتابعة او المتصلة بل وفى الاشياء التى يظن بها ان المتقدم سبب للمتأخر مثل الانسان الذى يولد انسانا مثله وذلك ان المحدث للانسان المشار اليه بانسان آخر يجب ان يترقى الى فاعل اول قديم لا اول لوجوده ولا لاحداثه انسانا عن انسان فيكون كون انسان عن انسان اخر الى ما لا نهاية له كونا بالعرض والقبلية والبعدية بالذات وذلك ان الفاعل الذى لا اول لوجوده كما لا اول لافعاله التى يفعلها بلا آلة كذلك لا أول للآلة التى يفعل بها افعاله التى لا اول لها من افعاله التى من شأنها أن تكون بآلة .
[32] فلما اعتقد المتكلمون فيما بالعرض انه بالذات دفعوا وجوده وعسر حل قولهم وظنوا ان دليلهم ضرورى . وهذا من كلام الفلاسفة بين فانه قد صرح رئيسهم الاول وهو ارسطو انه لو كانت للحركة حركة لما وجدت الحركة وانه لو كان للاسطقس اسطقس لما وجد الاسطقس .
Página 21