Tafsir Surah An-Nur
تفسير سورة النور
Géneros
حال السلف مع القرآن
هذا الكتاب هو الذي بيننا وبين الله، من أحب هذا الكتاب واطمأن لآياته وعمل بعظاته، ووقف عند حدوده، بلَّغه الله ﷿ سعادة الدارين، وأصاب الفوز في الدارين، ولذلك لما علم السلف الصالح رحمة الله عليهم حقيقةَ العلم، استعصموا بهذا الكتاب بعد الله، واستمسكوا به، فكانوا به رهبان الليل، وفرسان النهار، ظمئوا من أجله بالهواجر، وقطعوا به الليل تسبيحًا وقرآنًا.
فإذا أراد الله بالعبد السعادة، وأراد أن يبلِّغه مرتبة الولاية: شرح صدره للقرآن، ونور قلبه بالقرآن، وجعله محبًا للقرآن، محبًا لتلاوته، محبًا لمعرفة أحكامه وحدوده، محبًا للعمل بما علم من ذلك القرآن، وقد أشار النبي ﵌ إلى هذا الفضل العظيم والمقام الكريم، فقال عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) فشهد ﵊ بأن خير العباد مَن تعلم كتاب الله، وعمل بما علم منه، وكذلك علمه للغير.
وكان الصحابة رضوان الله عليهم على وعي كامل بهذه الحقيقة؛ فكان الرجل منهم يترسم كتاب الله ﷿ في ليله ونهاره في غيبته ومشهده؛ ففي غيبته عن الأنظار -خاليًا وحيدًا- يتلو كتاب الله بقلب يتدبره، وعين تخشع لآياته وتدمع من عظاته، وكذلك في المشهد على ملأٍ من الناس يفجر حكمه وأسراره، ويبيِّن أحكامه وأخباره؛ فلما كانت هذه أحوالهم رفع الله ﷿ شأنهم، وقذف في قلوب العباد محبتهم؛ فكانوا أهل القرآن، وكانت حياتهم مع القرآن ليلهم مع القرآن نهارهم مع القرآن، وأبت نفوسهم الأبية أن تخلِّف هذا الكتاب وراء الظهور حتى لقنوه صغارهم، وأدبوا عليه أطفالهم؛ فنشأ الصغير محبًا لكتاب الله، وترعرع الطفل على محبة كلام الله؛ فأصبحت قلوبهم معلقةً بهذا الكتاب، وأصبحت مساجدهم تعج بأصواتهم تلاوةً للقرآن وتفسيرًا.
وكل ذلك يدلنا على منزلة كلام الله عند عباد الله الأخيار، وصفوته الأبرار من سلف هذه الأمة الصالح.
ومن هنا نقول: لا صلاح للخلف إلا بترسم منهج السلف، كما قال الإمام أبو عبد الله مالك بن أنس ﵀: (لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها) .
1 / 3