بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره) * يعني أنهم أثبتوا في الكتاب ما لم يقله الله ليلبسوا على الخليفة فأعمى الله قلوبهم حتى تركوا فيه ما دل على ما أحدثوه فيه وحرفوه منه وبين عن إفكهم وتلبيسهم وكتمان ما علموه منه ولذلك قال لهم لم تلبسون الحق بالبطل وتكتمون الحق وضرب مثلهم بقوله: * (فأما الزبد فيذهب جفأ وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) * فالزبد في هذا الموضع كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن فهو يضمحل ويبطل ويتلاشى عند التحصيل والذي ينفع الناس منه فالتنزيل الحقيقي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والقلوب تقبله والأرض في هذا الموضع هي محل العلم وقراره وليس يسوغ مع عموم التقية التصريح بأسماء المبدلين ولا الزيادة في آياته على ما أثبتوه من تلقائهم في الكتاب لما في ذلك من تقوية حجج أهل التعطيل والكفر والملل المنحرفة عن قبلتنا وابطال هذا العلم الظاهر الذي قد استكان له الموافق والمخالف بوقوع الاصطلاح على الايتمار لهم والرضا بهم ولأن أهل الباطل في القديم والحديث أكثر عددا من أهل الحق ولأن الصبر على ولاة الأمر مفروض لقول الله عز وجل لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل، وايجابه مثل ذلك على أوليائه وأهل طاعته بقوله لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. فحسبك من الجواب عن هذا الموضع ما سمعت فان شريعة التقية تحظر التصريح بأكثر منه ثم قال (عليه السلام): وأما ما ذكرته من الخطاب الدال على تهجين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإزراء به والتأنيب له مع ما أظهره الله تبارك وتعالى في كتابه من تفضيله إياه على سائر أنبيائه فان الله عز وجل جعل لكل نبي عدوا من المشركين كما قال في كتابه وبحسب جلالة منزلة نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) عند ربه كذلك عظم محنته بعدوه الذي عاد منه إليه في حال شقاقه ونفاقه كل أذى ومشقة لدفع نبوته وتكذيبه إياه وسعيه في مكارهه وقصده لنقض كل ما أبرمه واجتهاده ومن مالاه على كفره وعناده ونفاقه وإلحاده في ابطال دعواه وتغيير ملته ومخالفة سنته ولم ير شيئا أبلغ في تمام كيده من تنفيرهم عن موالاة وصيه وايحاشهم منه وصدهم عنه وإغرائهم بعداوته
Página 46