409

{ من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم } الآية، هم المنافقون. و { سماعون للكذب } يراد به اليهود. والمعنى على هذا لا تهتم بمسارعة المنافقين في الكفر واليهود أي بإظهار ما يلوح له من آثار الكفر وهو كيدهم للإسلام وأهله فإن الله ناصرك عليهم ومسارعتهم في الكفر وقوعهم وتهافتهم فيه أسرع شيء إذا وجدوا فرصة لم يخطؤها وتكون من الأولى والثانية على هذا تبيينا وتقسيما للذين يسارعون في الكفر، فيكون قوله: ومن الذين هادوا. معطوفا على قوله: { من الذين قالوا }. ويجوز أن يكون ومن الذين هادوا، استئناف كلام فلا يكون معطوفا على قوله: من الذين قالوا. وسماعون مبتدأ أي قوم سماعون، ومن الذين هادوا خبره. { سماعون لقوم آخرين } قيل: انهم أهل فدك كانت اليهود تستمع منهم. وقيل: غيرهم.

{ يحرفون الكلم } أي يزيلونه ويميلونه عن مواضعة التي وصفها الله فيها. قال ابن عباس والجمهور: هي حدود الله في التوراة وذلك أنهم غيروا الرجم أي وضعوا الجلد مكان الرجم.

{ إن أوتيتم هذا } إشارة إلى ما حرفوه من تبديل الرجم بالتحميم والجلد، أي إن حكم عليكم بهذا فخذوه أي فاقبلوه وإن لم تعطوا ما تحكمون به من التحميم والجلد فاحذروا أي فلا تقبلوا.

{ سماعون للكذب } تأكيد لما قبله. { أكالون للسحت } أي الرشا وهو المال الذي يأخذونه على تبديل أحكام الله تعالى وتحريفها. { فإن جآءوك } الآية، يعني للحكم بينهم فخير الله تعالى نبيه بين الحكم بينهم والإعراض عن الحكم.

{ وكيف يحكمونك } الآية، هذا تعجيب من تحكيمهم إياه مع أنهم لا يؤمنون به ولا بكتابه وفي كتابهم الذين يدعون الإيمان به حكم الله نص جلي فليسوا قاصدين حكم الله حقيقة وإنما قصدوا بذلك أن يكون عنده صلى الله عليه وسلم رخصة فيما تحاكموا إليه فيه اتباعا لأهوائهم وانهماكا في شهواتهم، ومن عدل عن حكم الله في كتابه الذي يدعي أنه مؤمن به إلى تحكيم من لم يؤمن به ولا بكتابه فهو لا يحكم إلا رغبة فيما يقصده من مخالفة كتابه. وإذا خالفوا كتابهم لكونه ليس على وفق شهواتهم فلأن يخالفوك إذا لم توافقهم أولى وأحرى والواو في " وعندهم " للحال وعندهم التوراة مبتدأ وخبر وفيها حال من التوراة وارتفع حكم على الفاعلية بالجار والمجرور أي كائنا فيها حكم الله.

{ من بعد ذلك } قال ابن عطية: أي من بعد كون حكم الله في التوراة في الرجم وما أشبهه من الأمور التي خالفوا فيها أمره تعالى. " انتهى ". وهذه الجملة مستأنفة أي ثم هم يتولون بعد ذلك وهي أخبار من الله تعالى بتوليهم على عادتهم في أنهم إذا وضح لهم الحق أعرضوا عنه. { ومآ أولئك بالمؤمنين } أي من ترك حكم كتابه وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو منتف عنه الإيمان حقيقة. وانتصاب كيف على الحال وهو استفهام لا يراد به حقيقته بل التعجب من حالهم كيف علموا حكم الله في كتابهم وحكم الرسول عليه السلام.

[5.44-46]

{ إنآ أنزلنا التوراة } قال ابن عباس وابن مسعود نزلت في الجاحدين حكم الله وهي عامة في كل من جحد حكم الله، والذين أسلموا وصف مدح للأنبياء كالصفات التي تجري على الله وأريد بإجرائها التعريض باليهود والنصارى حيث قالوا: إن الأنبياء كانوا يهود وقالت النصارى: كانوا نصارى. فبين أنهم كانوا مسلمين كما كان إبراهيم ولذلك جاء هو سماكم المسلمين من قبل وفيه بهذا الوصف أن اليهود والنصارى بعداد من هذا الوصف الذي هو الإسلام وإن كان دين الأنبياء كلهم قديما وحديثا. وتقدم الكلام على الربانيين في آل عمران. والأحبار: هم العلماء، واحدهم: حبر، بفتح الحاء وكسرها. وقال أبو الهيثم: هو بفتح الحاء. وقال الفراء: هو بالكسر، فأما الذي يكتب به فبكسر الحاء.

{ بما استحفظوا من كتاب الله } الباء في بما لكسب وتتعلق بقوله: يحكم، واستفعل هنا للطلب والمعنى بسبب ما استحفظوا، والضمير في استحفظوا عائد على النبيين والربانيين والأحبار أي بسبب ما طلب الله منهم حفظهم لكتاب الله وهو التوراة، وكلفهم حفظها وأخذ عهده عليهم في العمل بها والقول بها. واستحفظوا مبني للمفعول حذف الفاعل وهو الله والمعنى استحفظهم الله أي طلب حفظهم له.

{ وكانوا عليه شهدآء } الظاهر أن الضمير عائد على كتاب الله، أي كانوا عليه رقباء لئلا يبدل. والمعنى محكم بأحكام التوراة النبيون بين موسى وعيسى وكان بينهما ألف نبي. للذين هادوا يحملونهم على أحكام التوراة لا يتركونهم أن يعدلوا عنها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حملهم على حكم الرجم وإرغام أنوفهم وآبائه عليهم ما اشتهوه من الجلد.

Página desconocida