403

{ فإذا دخلتموه فإنكم غالبون } قالا ذلك ثقة بوعد الله في قوله: كتب الله لكم، وقيل: رجاء لنصر الله ورسله وغلب ذلك على ظنهم وما غزى قوم في عقر ديارهم إلا ذلوا وإذا لم يكونوا حافظي باب مدينتهم حتى دخل وهو المهم فلأن لا يحفظوا ما وراء الباب أولى.

{ وعلى الله فتوكلوا } لما رأيا بني إسرائيل قد عصوا الرسول صلى الله عليه وسلم في الاقدام على الجهاد مع وعد الله السابق لهم استرابا في إيمانهم فأمرهم بالتوكل على الله إذ هو الملجأ والمفزع عند الشدائد وعلقا ذلك بشرط الإيمان الذي استرابا في حصوله لبني إسرائيل، والفاء في قوله: فتوكلوا جواب أمر محذوف تقديره تنبهوا وعلى الله متعلق بتوكلوا كما قالت العرب زيدا فاضرب تقديره تنبه، فاضرب زيدا وكثيرا يأتي معمول ما بعد الفاء متقدما عليها.

{ قالوا ياموسى إنا لن ندخلهآ } لما كرر عليهم أمر القتال كرروا الامتناع على سبيل التوكيد الموئس وقيدوا أولا نفي الدخول بالظرف المختص بالاستقبال وحقيقة التأبيد. وقد يطلق على الزمان المتطاول وكأنهم أولا نفوا الدخول طول الأبد ثم رجعوا إلى تعليق ذلك بديمومية الجبارين فيها، وما في قوله: { ما داموا } مصدرية ظرفية تقديره مدة دوامهم فيها فأبدلوا زمانا مقيدا من زمان هو ظاهر في العموم في الزمان المستقبل فهو بدل بعض من كل.

{ فاذهب أنت وربك } ظاهر الذهاب الانتقال وهذا يدل على أنهم كانوا مشبهة ولذلك قال الحسن: هو كفر منهم بالله تعالى، ويدل على ذلك عبادتهم العجل واتخاذه إلها وكونهم حين مروا بقوم يعبدون البقر. قالوا لموسى عليه السلام:

اجعل لنآ إلها كما لهم آلهة

[الأعراف: 138]. وربك معطوف على الضمير المستكن في اذهب المؤكد بأنت. وتقدم الكلام على نظير هذا في قوله:

اسكن أنت وزوجك الجنة

[البقرة: 35].

{ إنا هاهنا قاعدون } هذا دليل على أنهم خارت طباعهم فلم يقدروا على النهوض معه للقتال ولا على الرجوع في حيث جاؤوا بل أقاموا حيث كانت المجاورة بين موسى وبينهم وها من قوله هاهنا للتنبيه وهنا ظرف مكان للقريب؛ والعامل فيه قاعدون.

{ قال رب إني لا أملك } لما عصوا أمر الله وتمردوا على موسى وسمع منهم ما سمع من كلمة الكفر وسوء الأدب مع الله ولم يبق معه من يثق به إلا هارون قال ذلك، وهذا من الكلام المنطوي صاحبه على الالتجاء إلى الله وشدة اللياذ به والشكوى إليه ورقة القلب التي تستجلب الرحمة وتستنزل النصرة. { وأخي } منصوب معطوف على نفسي، ويعني به هارون عليه السلام وكأنه ما اعتد بذينك الرجلين المؤمنين، كما روي عن علي كرم الله وجهه أنه خطب في مسجد الكوفة مستنجدا على قتال أعدائه فلم يجبه إلا رجلان، فقال: أين يقعان مما أريد. وأجاز الزمخشري وابن عطية أن يكون " وأخي " مرفوعا معطوفا على الضمير المستكن في أملك وجاز ذلك للفصل بينهما بالمفعول المحصور ويلزم من ذلك، ان موسى وهارون لا يملكان إلا نفس موسى فقط وليس المعنى على ذلك بل الظاهر ان موسى عليه السلام يملك أمر نفسه وأمر أخيه فقط.

Página desconocida