401

{ ولله ملك السموت والأرض وما بينهما } والمسيح وأمه. من جملة ما في الأرض فهما مقهوران لله مملوكان له وهذه الجملة مؤكدة لقوله: { إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه } ، ودلالة على أنه إذا أراد فعل لأن من له ذلك الملك يفعل في ملكه ما يشاء.

{ يخلق ما يشآء } أي أن خلقه ليس مقصورا على نوع واحد بل ما تعلقت مشيئته بإيجاده أوجده واخترعه، فقد يوجد شيئا لا من ذكر ولا أنثى كآدم عليه السلام وأوائل الأجناس المتولد بعضها من بعض، وقد يخلق من ذكر وأنثى، وقد يخلق من أنثى لا من ذكر معها كالمسيح ففي قوله: { يخلق ما يشآء } ، إشارة إلى أن المسيح وأمه مخلوقان.

{ والله على كل شيء قدير } كثيرا ما تذكر القدرة عقب الاختراع وذكر الأشياء الغريبة. { وقالت اليهود والنصارى } الآية، ظاهر اللفظ أن جميع اليهود والنصارى قالوا عن جميعهم ذلك وليس كذلك بل في الكلام لف وإيجاز، والمعنى وقالت كل فرقة من اليهود والنصارى عن نفسها خاصة: نحن أبناء الله وأحباؤه يدل على ذلك.

وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء

[البقرة: 213]. والبنوة هنا بنوة الحنان والرأفة، وأحباؤه جمع حبيب فعيل نحو بمعنى مفعول أي محبوبوه وأجرى مجرى فعيل من المضاعف الذي هو اسم الفاعل نحو لبيب والباء. وقال ابن عباس: هم طائفة من اليهود خوفهم الرسول صلى الله عليه وسلم عقاب الله فقالوا: أتخوفنا بالله ونحن أبناء الله وأحباؤه. بعد قل محذوف تقديره كذبتم في دعواكم.

{ فلم يعذبكم بذنوبكم } ومن كان محبوبا لله وابنا له بمعنى الرأفة لا يعذبه. { بل أنتم بشر ممن خلق } اضرب عن الاستدلال الأول من غير إبطال وانتقل الى استدلال ثان من ثبوت كونهم بشرا من بعض من خلق فهم مساوون لغيرهم في البشرية والحدوث، وهما يمنعان البنوة فإن القديم لا يلد بشرا، والأب لا يخلق ابنه، فامتنع بهذين الوصفين البنوة وامتنع بتعذيبهم أن يكونوا أحباء الله فبطل الوصفان اللذان ادعوها.

{ يا أهل الكتاب } شامل لليهود والنصارى. { قد جآءكم رسولنا } هو محمد صلى الله عليه وسلم. { يبين لكم } مفعوله محذوف تقديره بين لكم شريعة الإسلام والدين. { على فترة من الرسل } أي على انقطاع من الرسل، إذ لم يكن بين محمد وعيسى عليهما السلام رسول على فترة. قال ابن عباس: أنه كان بين ميلاد عيسى والنبي عليهما السلام خمسمائة سنة وتسع وستون سنة بعث في أولها ثلاثة أنبياء، وهو قوله تعالى:

إذ أرسلنآ إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث

[يس: 14]. وهو شمعون وكان من الحواريين، وقال ابن الكلبي مثل قول ابن عباس إلا أنه قال بينهما أربعة أنبياء واحد من العرب من بني عبس وهو خالد بن سنان الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ضيعه قومه.

و { أن تقولوا } مفعول من أجله تقدره البصريون كراهة أن تقولوا، أو حذار أن تقولوا، وقدره الفراء لئلا تقولوا وهو متعلق بقوله: قد جاءكم رسولنا. و { من بشير ولا نذير } من زائدة وهو فاعل بقوله ما جاءنا { فقد جاءكم } تكذيبا لهم وخصوصا اليهود.

Página desconocida