233

(فالجواب) إنا لا نسلم أن فعيلا يأتي بمعنى مفعل وقد يؤول سميع وأليم على غير مفعل ولئن سلمنا ذلك فهو من الندور والشذوذ بحيث لا ينقاس، وأما فعيل المحول من فاعل للمبالغة فهو منقاس كثير جدا خارج عن الحصر كحليم وعليم وسميع وقدير وخبير وحفيظ إلى ألفاظ لا تحصر وأيضا فإن العربي لقمح الباقي على سليقته لم يفهم من حكيم إلا أنه محول للمبالغة من حاكم، ألا ترى أنه لما سمع قارئا يقرأ: { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله سميع عليم }.

أنكر أن تكون فاصلة هذا التركيب السابق فقيل له التلاوة والله عزيز حكيم. فقال: هكذا يكون عز فحكم وفهم من حكيم أنه محول للمبالغة من حاكم، وفهم هذا العربي حجة قاطعة لما قلناه. وكذا نقول على قراءة ابن عباس ولا نجعل أن الدين معمولا لشهد كما زعموا وأن انه لا إله إلا هو اعتراض وانه بين المعطوف. والحال وبين أن الدين اعتراض آخر أو اعتراضان، بل نقول: معمول شهد هو أنه بالكسر على تخريج من خرج أن شهد لما كان بمعنى القول كسر ما بعدها إجراء لها مجرى القول أو نقول أنه معمول لها ولم تدخل اللام في الخبر لأنه منفي بخلاف أن لو كان مثبتا فإنك تقول شهدت أن زيدا المنطلق فتعلق بأن مع وجود اللام لأنه لو لم تكن اللام لفتحت أن فقلت شهدت أن زيدا منطلق فمن قرأ بفتح أنه فإنه لم ينو التعليق ومن كسر فإنه نوى التعليق ولم تدخل اللام في الخبر لأنه منفي كما ذكرنا.

{ وما اختلف الذين أوتوا الكتاب } عام في أهل الكتاب من اليهود والنصارى وإن المختلف فيه هو الإسلام. وقد تنكبوا إلى غيره من الأديان فانقسمت اليهود إلى قرائي ورباني وسمرة. وانقسمت النصارى الى ملكي ويعقوبي ونسطوري. وكل طائفة تكفر من خالفها بعد أن كانت اليهود أمة واحدة، والنصارى كذلك، والعلم الذي جاءهم هو كتب الله المنزلة من التوراة والزبور والإنجيل، والحامل على اختلافهم هو البغي وهو الظلم الواقع من بعضهم لبعض. وتقدم إعراب بغيا بعد الاستثناء في البقرة.

{ ومن يكفر بآيات الله } عام في كل كافر فلا يخص المختلفين ولا غيرهم.

و { سريع الحساب } كناية عن المجازاة في الآخرة، والجملة جواب الشرط، والضمير العائد على اسم الشرط محذوف تقديره سريع الحساب له.

[3.20-26]

{ فإن حآجوك } الظاهر عود الضمير على أهل الكتاب ويحتمل العموم. ومعنى { أسلمت وجهي لله } انقدت وأطعت وخضعت لله وعبر بالوجه عن جميع ذاته لأنه أشرف الأعضاء.

{ ومن اتبعن } معطوف على الضمير في أسلمت: قاله الزمخشري وابن عطية. وبدأ به ولا يجوز لأنه يلزم منه المشاركة في المفعول الذي هو وجهي وهو ولا يجوز بل المعنى وأسلم من اتبعني وجهه لله فالأحسن أن تكون من في موضع رفع على الإبتداء، والخبر محذوف لدلالة ما قبله عليه التقدير، ومن اتبعني أسلم وجهه لله فيكون إخبارا منه عليه السلام لأنه وإياهم أسلموا وجوههم لله. وأجاز الزمخشري أن تكون الواو واو مع، وهو لا يجوز لأنه يلزم منه المشاركة في المفعول، ألا ترى أنك إذا قلت: أكلت رغيفا وعمرا أي مع عمر، ودل ذلك على أنه مشارك لك في أكل الرغيف. والمراد بالأميين من ليس من أهل الكتاب من مشركي العرب وغيرهم.

{ أأسلمتم } تقرير في ضمنه الأمر أي أسلموا، فقد أتاكم من البينات ما يوجب الإسلام. { فإن أسلموا } أي دخلوا في شريعة الإسلام، { فقد اهتدوا } أي حصلت لهم الهداية. { وإن تولوا } أي لا يضرونك بتوليهم عن الإسلام ولا يلزمك إلا تنبيههم للهداية بما تبلغ عن ربك.

{ والله بصير بالعباد } فيه وعيد وتهديد شديد لمن تولى عن الإسلام، ووعد بالخير لمن أسلم. إذ معناه أن الله مطلع على أحوال عبيده فيجازيهم بما تقتضي حكمته.

Página desconocida