Tafsir Mizan
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
Géneros
ومنهم الملائكة.
قال تعالى: "وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى": النجم - 26، وقال تعالى: "يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم": طه - 110، ومنهم الشهداء لدلالة قوله تعالى: "ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون": الزخرف - 86، على تملكهم للشفاعة لشهادتهم بالحق، فكل شهيد فهو شفيع يملك الشهادة غير أن هذه الشهادة كما مر في سورة الفاتحة وسيأتي في قوله تعالى "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس": البقرة - 143 شهادة الأعمال دون الشهادة بمعنى القتل في معركة القتال، ومن هنا يظهر أن المؤمنين أيضا من الشفعاء فإن الله عز وجل أخبر بلحوقهم بالشهداء يوم القيامة، قال تعالى: "والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم": الحديد - 19، كما سيجيء بيانه.
5 - بما ذا تتعلق الشفاعة؟
قد عرفت أن الشفاعة منها تكوينية تتعلق بكل سبب تكويني في عالم الأسباب ومنها شفاعة تشريعية متعلقة بالثواب والعقاب فمنها ما يتعلق بعقاب كل ذنب، الشرك فما دونه كشفاعة التوبة والإيمان قبل يوم القيامة ومنها ما يتعلق بتبعات بعض الذنوب كبعض الأعمال الصالحة، وأما الشفاعة المتنازع فيها وهي شفاعة الأنبياء وغيرهم يوم القيامة لرفع العقاب ممن استحقه بالحساب، فقد عرفت في الأمر الثالث أن متعلقها أهل المعاصي الكبيرة ممن يدين دين الحق وقد ارتضى الله دينه.
6 - متى تنفع الشفاعة؟
ونعني بها أيضا الشفاعة الرافعة للعقاب، والذي يدل عليه قوله سبحانه: "كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر": المدثر - 42، فالآيات كما مر دالة على توصيف من تناله الشفاعة ومن يحرم منها غير أنها تدل على أن الشفاعة إنما تنفع في الفك عن هذه الرهانة والإقامة والخلود في سجن النار، وأما ما يتقدم عليه من أهوال يوم القيامة وعظائمها فلا دليل على وقوع شفاعة فيها لو لم تدل الآية على انحصار الشفاعة في الخلاص من رهانة النار.
واعلم أنه يمكن أن يستفاد من هذه الآيات وقوع هذا التساؤل بعد استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار وتعلق الشفاعة بجمع من المجرمين بإخراجهم من النار، وذلك لمكان قوله: في جنات، الدال على الاستقرار وقوله: ما سلككم فإن السلوك هو الإدخال لكن لا كل إدخال بل إدخال على سبيل النضد والجمع والنظم ففيه معنى الاستقرار وكذا قوله: فما تنفعهم، فإن ما لنفي الحال، فافهم ذلك.
وأما نشأة البرزخ وما يدل على حضور النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) عند الموت وعند مساءلة القبر وإعانتهم إياه على الشدائد كما سيأتي في قوله تعالى: "وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به": النساء - 158، فليس من الشفاعة عند الله في شيء وإنما هو من سبيل التصرفات والحكومة الموهوبة لهم بإذن الله سبحانه، قال تعالى: "وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون، إلى أن قال: "ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون، أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون": الأعراف - 46، 48، 49، ومن هذا القبيل من وجه قوله تعالى: "يوم ندعوا كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه": إسراء - 71، فوساطة الإمام في الدعوة، وإيتاء الكتاب من قبيل الحكومة الموهوبة فافهم.
فتحصل أن المتحصل من أمر الشفاعة وقوعها في آخر موقف من مواقف يوم القيامة باستيهاب المغفرة بالمنع عن دخول النار، أو إخراج بعض من كان داخلا فيها، باتساع الرحمة أو ظهور الكرامة.
Página 98