Tafsir Mizan
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
Géneros
وبالجملة كان القول بالقضاء والقدر في الصدر الأول مساوقا لارتفاع الحسن والقبح والجزاء بالاستحقاق ولذلك لما سمع الشيخ منه (عليه السلام) كون المسير بقضاء وقدر قال وهو في مقام التأثر واليأس: عند الله أحتسب عنائي أي إن مسيري وإرادتي فاقدة الجدوى من حيث تعلق الإرادة الإلهية بها فلم يبق لي إلا العناء والتعب من الفعل فأحتسبه عند ربي فهو الذي أتعبني بذلك فأجاب عنه الإمام (عليه السلام) بقوله: لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب إلخ، وهو أخذ بالأصول العقلائية التي أساس التشريع مبني عليها واستدل في آخر كلامه (عليه السلام) بقوله: ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا إلخ، وذلك لأن صحة الإرادة الجزافية التي هي من لوازم ارتفاع الاختيار يوجب إمكان تحقق الفعل من غير غاية وغرض وهو يوجب إمكان ارتفاع الغاية عن الخلقة والإيجاد، وهذا الإمكان يساوق الوجوب، فلا غاية على هذا التقدير للخلقة والإيجاد، وذلك خلق السماوات والأرض وما بينهما باطلا، وفيه بطلان المعاد وفيه كل محذور، وقوله ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكروها كان المراد لم يعص والحال أن عاصيه مغلوب بالجبر ولم يطع والحال أن طوعه مكروه للمطيع.
وفي التوحيد، والعيون، عن الرضا (عليه السلام) قال: ذكر عنده الجبر والتفويض فقال: ألا أعلمكم في هذا أصلا لا تختلفون فيه ولا يخاصمكم عليه أحد إلا كسرتموه؟ قلنا إن رأيت ذلك، فقال إن الله عز وجل لم يطع بإكراه، ولم يعص بغلبة، ولم يهمل العباد في ملكه، هو المالك لما ملكهم، والقادر على ما أقدرهم عليه فإن ائتمر العباد بطاعته لم يكن الله منها صادا، ولا منها مانعا وإن ائتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل، وإن لم يحل فعلوه فليس هو الذي أدخلهم فيه ثم قال (عليه السلام) من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه.
Página 54