Tafsir Mizan
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
Géneros
ولعمري لو لم يكن في كتاب الله تعالى إلا قوله: "لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطائك فبصرك اليوم حديد": ق - 22، لكان فيه كفاية إذ الغفلة لا تكون إلا عن معلوم حاضر، وكشف الغطاء لا يستقيم إلا عن مغطى موجود فلو لم يكن ما يشاهده الإنسان يوم القيامة موجودا حاضرا من قبل لما كان يصح أن يقال للإنسان إن هذه أمور كانت مغفولة لك، مستورة عنك فهي اليوم مكشوف عنها الغطاء، مزالة منها الغفلة.
ولعمري إنك لو سألت نفسك أن تهديك إلى بيان يفي بهذه المعاني حقيقة من غير مجاز لما أجابتك إلا بنفس هذه البيانات والأوصاف التي نزل بها القرآن الكريم.
ومحصل الكلام أن كلامه تعالى موضوع على وجهين: أحدهما: وجه المجازاة بالثواب والعقاب، وعليه عدد جم من الآيات، تفيد: أن ما سيستقبل الإنسان من خير أو شر كجنة أو نار إنما هو جزاء لما عمله في الدنيا من العمل.
وثانيهما: وجه تجسم الأعمال وعليه عدة أخرى من الآيات، وهي تدل على أن الأعمال تهيىء بأنفسها أو باستلزامها وتأثيرها أمورا مطلوبة أو غير مطلوبة أي خيرا أو شرا هي التي سيطلع عليه الإنسان يوم يكشف عن ساق.
وإياك أن تتوهم أن الوجهين متنافيان فإن الحقائق إنما تقرب إلى الأفهام بالأمثال المضروبة، كما ينص على ذلك القرآن.
وقوله تعالى: إلا الفاسقين، الفسق كما قيل من الألفاظ التي أبدع القرآن استعمالها في معناها المعروف، مأخوذ من فسقت التمرة إذا خرجت عن قشرها وجلدها ولذلك فسر بعده بقوله تعالى: "الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه" الآية، والنقض إنما يكون عن إبرام، ولذلك أيضا وصف الفاسقين في آخر الآية بالخاسرين والإنسان إنما يخسر فيما ملكه بوجه، قال تعالى: "إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة": الشورى - 45، وإياك أن تتلقى هذه الصفات التي أثبتها سبحانه في كتابه للسعداء من عباده أو الأشقياء مثل المقربين والمخلصين والمخبتين والصالحين والمطهرين وغيرهم، ومثل الظالمين والفاسقين والخاسرين والغاوين والضالين وأمثالها أوصافا مبتذلة أو مأخوذة لمجرد تزيين اللفظ، فتضطرب بذلك قريحتك في فهم كلامه تعالى فتعطف الجميع على واد واحد، وتأخذها هجاء عاميا وحديثا ساذجا سوقيا بل هي أوصاف كاشفة عن حقائق روحية ومقامات معنوية في صراطي السعادة والشقاوة، كل واحد منها في نفسه مبدأ لآثار خاصة ومنشأ لأحكام مخصوصة معينة، كما أن مراتب السن وخصوصيات القوى وأوضاع الخلقة في الإنسان كل منها منشأ لأحكام وآثار مخصوصة لا يمكننا أن نطلب واحدا منها من غير منشئه ومحتده، ولئن تدبرت في مواردها من كلامه تعالى وأمعنت فيها وجدت صدق ما ادعيناه.
بحث الجبر والتفويض
واعلم: أن بيانه تعالى أن الإضلال إنما يتعلق بالفاسقين يشرح كيفية تأثيره تعالى في أعمال العباد ونتائجها وهو الذي يراد حله في بحث الجبر والتفويض.
Página 50