129

Tafsir Mizan

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

Géneros

Exégesis

2 سورة البقرة - 94 - 99

قل إن كانت لكم الدار الاخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صدقين (94) ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظلمين (95) ولتجدنهم أحرص الناس على حيوة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون (96) قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين (97) من كان عدوا لله وملئكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكفرين (98) ولقد أنزلنا إليك ءايت بينت وما يكفر بها إلا الفسقون (99)

بيان

قوله تعالى: قل إن كانت لكم إلخ، لما كان قولهم: لن تمسنا النار إلا أياما معدودة: وقولهم نؤمن بما أنزل علينا في جواب ما قيل لهم : آمنوا بما أنزل الله يدلان بالالتزام على دعواهم أنهم ناجون في الآخرة دون غيرهم وأن نجاتهم وسعادتهم فيها غير مشوبة بهلاك وشقاء لأنهم ليسوا بزعمهم بمعذبين إلا أياما معدودة وهي أيام عبادتهم للعجل، قابلهم الله تعالى خطابا بما يظهر به كذبهم في دعواهم وأنهم يعلمون ذلك من غير تردد وارتياب فقال تعالى لنبيه: "قل إن كانت لكم الدار الآخرة" أي سعادة تلك الدار فإن من ملك دارا فإنما يتصرف فيها بما يستحسنه ويحبه ويحل منها بأجمل ما يمكن وأسعده وقوله "عند الله" أي مستقرا عنده تعالى وبحكمه وإذنه، فهو كقوله تعالى: "إن الدين عند الله الإسلام": آل عمران - 19 وقوله تعالى: "خالصة" أي غير مشوبة بما تكرهونه من عذاب أو هوان لزعمكم أنكم لا تعذبون فيها إلا أياما معدودة، قوله تعالى: "من دون الناس" وذلك لزعمكم بطلان كل دين إلا دينكم، وقوله تعالى: "فتمنوا الموت إن كنتم صادقين" وهذا كقوله تعالى: "قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء الله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين": الجمعة - 6 وهذه مؤاخذة بلازم فطري بين الأثر في الخارج بحيث لا يقع فيه أدنى الشك وهو أن الإنسان بل كل موجود ذي شعور إذا خير بين الراحة والتعب اختار الراحة من غير تردد وتذبذب وإذا خير بين حياة وعيشة مكدرة مشوبة وأخرى خالصة صافية اختار الخالصة الهنيئة قطعا ولو فرض ابتلاؤه بما كان يميل عنه إلى غيره من حياة شقية ردية أو عيشة منغصة لم يزل يتمنى الأخرى الطيبة الهنيئة فلا ينفك عن التحسر له في قلبه وعن ذكره في لسانه وعن السعي إليه في عمله.

فلو كانوا صادقين في دعواهم أن السعادة الخالصة الأخروية لهم دون غيرهم من الناس وجب أن يتمنوه جنانا ولسانا وأركانا ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم من قتل الأنبياء والكفر بموسى ونقض المواثيق والله عليم بالظالمين.

قوله تعالى: بما قدمت أيديهم كناية عن العمل فإن معظم العمل عند الحس يقع بواسطة اليد فيقدم بعد ذلك إلى من ينتفع به أو يطلبه ففيه عنايتان نسبة التقديم إلى الأيدي دون أصحاب الأيدي وعد كل فعل عملا للأيدي.

وبالجملة أعمال الإنسان وخاصة ما يستمر صدوره منه أحسن دليل على ما طوى عليه ضميره وارتكز في باطنه والأعمال الطالحة والأفعال الخبيثة لا يكشف إلا عن طوية خبيثة تأبى أن تميل إلى لقاء الله والحلول في دار أوليائه.

قوله تعالى: ولتجدنهم أحرص الناس على حياة، كالدليل المبين لقوله تعالى: ولن يتمنوه أبدا أي ويشهد على أنهم لن يتمنوا الموت، إنهم أحرص الناس على هذه الحياة الدنيا التي لا حاجب ولا مانع عن تمني الدار الآخرة إلا الحرص عليها والإخلاد إليها، والتنكير في قوله تعالى: على حيوة للتحقير كما قال تعالى: "وما هذه الحيوة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون":. العنكبوت - 64.

قوله تعالى: ومن الذين أشركوا الظاهر أنه عطف على الناس والمعنى ولتجدنهم أحرص من الذين أشركوا.

Página 130