Tafsir Mizan
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
Géneros
وذلك أن الحمد توصيف، وقد نزه سبحانه نفسه عن وصف الواصفين من عباده حيث قال: "سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين": الصافات - 160.
والكلام مطلق غير مقيد، ولم يرد في كلامه تعالى ما يؤذن بحكاية الحمد عن غيره إلا ما حكاه عن عدة من أنبيائه المخلصين، قال تعالى في خطابه لنوح (عليه السلام): "فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين": المؤمنون - 28.
وقال تعالى حكاية عن إبراهيم (عليه السلام): "الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق": إبراهيم - 39.
وقال تعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في بضعة مواضع من كلامه: "وقل الحمد لله": النمل - 93.
وقال تعالى حكاية عن داود وسليمان (عليهما السلام) "وقالا الحمد لله": النمل - 15.
وإلا ما حكاه عن أهل الجنة وهم المطهرون من غل الصدور ولغو القول والتأثيم كقوله. "وآخر دعويهم أن الحمد لله رب العالمين": يونس - 10.
وأما غير هذه الموارد فهو تعالى وإن حكى الحمد عن كثير من خلقه بل عن جميعهم، كقوله تعالى: "والملائكة يسبحون بحمد ربهم": الشورى - 5.
وقوله "ويسبح الرعد بحمده": الرعد - 13 وقوله وإن من شيء إلا يسبح بحمده": الإسراء - 44.
إلا أنه سبحانه شفع الحمد في جميعها بالتسبيح بل جعل التسبيح هو الأصل في الحكاية وجعل الحمد معه، وذلك أن غيره تعالى لا يحيط بجمال أفعاله وكمالها كما لا يحيطون بجمال صفاته وأسمائه التي منها جمال الأفعال، قال تعالى: "ولا يحيطون به علما": طه - 110 فما وصفوه به فقد أحاطوا به وصار محدودا بحدودهم مقدرا بقدر نيلهم منه، فلا يستقيم ما أثنوا به من ثناء إلا من بعد أن ينزهوه ويسبحوه عن ما حدوه وقدروه بأفهامهم، قال تعالى: "إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون": النحل - 74، وأما المخلصون من عباده تعالى فقد جعل حمدهم حمده ووصفهم وصفه حيث جعلهم مخلصين له، فقد بان أن الذي يقتضيه أدب العبودية أن يحمد العبد ربه بما حمد به نفسه ولا يتعدى عنه، كما في الحديث الذي رواه الفريقان عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): +" لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك الحديث "+ فقوله في أول هذه السورة: الحمد لله، تأديب بأدب عبودي ما كان للعبد أن يقوله لو لا أن الله تعالى قاله نيابة وتعليما لما ينبغي الثناء به.
وقوله تعالى: رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إه وقرأ الأكثر ملك يوم الدين فالرب هو المالك الذي يدبر أمر مملوكه، ففيه معنى الملك، ومعنى الملك الذي عندنا في ظرف الاجتماع هو نوع خاص من الاختصاص وهو نوع قيام شيء بشيء يوجب صحة التصرفات فيه، فقولنا العين الفلانية ملكنا معناه: أن لها نوعا من القيام والاختصاص بنا يصح معه تصرفاتنا فيها ولو لا ذلك لم تصح تلك التصرفات وهذا في الاجتماع معنى وضعي اعتباري غير حقيقي وهو مأخوذ من معنى آخر حقيقي نسميه أيضا ملكا، وهو نحو قيام أجزاء وجودنا وقوانا بنا فإن لنا بصرا وسمعا ويدا ورجلا، ومعنى هذا الملك أنها في وجودها قائمة بوجودنا غير مستقلة دوننا بل مستقلة باستقلالنا ولنا أن نتصرف فيها كيف شئنا وهذا هو الملك الحقيقي.
والذي يمكن انتسابه إليه تعالى بحسب الحقيقة هو حقيقة الملك دون الملك الاعتباري الذي يبطل ببطلان الاعتبار والوضع، ومن المعلوم أن الملك الحقيقي لا ينفك عن التدبير فإن الشيء إذا افتقر في وجوده إلى شيء فلم يستقل عنه في وجوده لم يستقل عنه في آثار وجوده، فهو تعالى رب لما سواه لأن الرب هو المالك المدبر وهو تعالى كذلك.
Página 10