في وحدة الخالق المربي الذي يرعى حركة وجودها ، ويمنح كل واحدة منها الخصائص التي تؤدي بها إلى غاية الوجود فيها ، لتتآزر كلها في أخوة وجودية تجعل من ساحة الكون مجالا للتكامل ، فكل وجود منها مسخر لوجود آخر ، حتى مظاهر الصراع بينها لا تبتعد عن نقطة التوازن في دائرة التكامل ، فالحيوان الصغير الذي ينمو ليكون طعاما للحيوان الكبير ، لا يعيش الصراع بين وجودين ، ولكنه يمثل الوجود الذي يمنح ذاته لوجود آخر ، ليتابع نموه واستمراره في حركة الوجود الصاعد إلى الغاية الكبرى للوجود كله ، من خلال التخطيط الإلهي للنظام الوجودي الكوني الكبير.
ومن خلال ذلك ، نستلهم الفكرة الإيمانية التي ترتكز على تآخي الموجودات في حركة الوجود. وهذا ما نتمثله في التطلع الإيماني الذي ينطلق به الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام عند ما يتطلع إلى الصباح ، وهو يستقبل الكون كله في شروق الشمس ، فيشعر بوحدة الإنسان مع الكون كله بين يدي الله ، وفي قبضته وتدبيره ، في دعاء الصباح والمساء :
« أصبحنا (أو أمسينا) وأصبحت الأشياء كلها بجملتها لك ، سماؤها وأرضها وما بثثت في كل واحد منهما ، ساكنه ومتحركه ومقيمه وشاخصه ، وما علا في الهواء وما كن تحت الثرى.
أصبحنا في قبضتك ، يحوينا ملكك وسلطانك ، وتضمنا مشيتك ، ونتصرف عن أمرك ، ونتقلب في تدبيرك ، ليس لنا من الأمر إلا ما قضيت ، ولا من الخير إلا ما أعطيت » (1).
وهذا هو المفهوم الثاني من التصور الإسلامي للعقيدة بالله ، فهو رب العالمين ، أي : «رب الوجود ». وهو الرب الذي يرعى خلقه ويقودهم إلى ما فيه هداهم ، ويحقق لهم التوازن والتكامل في دائرة الوجود الخاص أو العام.
Página 51