إن الحديث عن كون القرآن عربيا ، لا ينحصر في المسألة اللغوية ، بل يمتد ليكون عنوانا للمنهج العالم للقواعد التفصيلية ، في أساليب اللغة في البيان والفهم والأجواء ، من حيث الخصائص الفنية التي قد تحمل في داخلها الإيحاء والإيماء واللفتة والإشارة ، مما يتجاوز المدلول الحرفي للكلمات ، على أساس أن الجانب التاريخي للاستعمال قد يضيف إليها الكثير من ظلال المعاني وخصوصيتها التي قد تمنحها جوا جديدا ، وهذا هو الذي اصطلح عليه ب « الفهم العرفي» أو ب « الذوق العرفي ».
وفي ضوء هذا ، قد نلاحظ أن القواعد العربية تجعل قضية الوضوح في الدلالة ، سواء كانت على سبيل الاستعمال الحقيقي أو المجازي ، مسألة أساسية في حركة التفهيم والتفهم ، بحيث يكون الكلام القرآني حجة في إيصال الأفكار والتشريعات إلى الناس ، فلا مجال للتعقيد اللفظي والمعنوي في أساليب الاستعارة أو الكناية أو طريقة التركيب ، بحيث تكون المسافة بين اللازم والملزوم ، أو بين المضمون الحرفي للكلمة والغاية التي يقصدها المتكلم ، بعيدة جدا بما تستلزمه من الجهد الذهني في الربط بين الأشياء ، لأن ذلك يبتعد عن المنهج البياني الذي تفرضه مسألة التفاهم التي ترتكز عليها قضية اللغة في طبيعتها الحركية ، وربما نستوحي ذلك من الآيات التي تؤكد صفة التبيين في الآيات كقوله تعالى : ( لقد أنزلنا آيات مبينات والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) [النور : 46]. ( وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ) [الأنعام : 55]. ( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ) [النساء : 26].
فإن من الظاهر أن الآيات تتحدث عن الوضوح الذي يستلزم الهدى والهداية واستبانة الطريق المضاد الذي يتحرك فيه المجرمون.
وهكذا لا نجد هناك مجالا للحديث عن القرآن ككتاب رموز
Página 7