" إن الله غالبكم وحاشركم إلى جهنم "
وقال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: (إن المراد بهم يهود المدينة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هزم الكفار يوم بدر، قالت اليهود: هذا والله النبي الأمي الذي بشرنا به موسى ونجده في التوراة بنعته وصفته، وإنه لا ترد له راية، وأرادوا تصديقه واتباعه؛ فقال بعضهم لبعض: لا تعجلوا حتى تنظروا إلى وقعة له أخرى، فلما كان يوم أحد وغلب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: والله ما هو به، فغلب عليهم الشقاء فلم يسلموا، وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى مدة فنقضوا ذلك العهد قبل أجله، وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكبا إلى أبي سفيان بمكة ووافقوهم على أن تكون كلمتهم واحدة، ثم رجعوا إلى المدينة، فأنزل الله هذه الآية).
وعن ابن عباس وقتادة أنهما قالا: (لما أهلك الله قريشا يوم بدر، جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود بسوق بني قينقاع، فدعاهم إلى الإسلام وحذرهم مثلما نزل بقريش من الانتقام، فأبوا وقالوا: لسنا كقريش الأغمار الذين لم يعرفوا القتال ولم يمارسوه، لئن حاربتنا لنقتلن رجالا، وتعرف البأس والشدة، فأنزل الله هذه الآية). قوله تعالى: { إلى جهنم } اشتقاق جهنم من الجهنام وهي البئر البعيدة القعر.
[3.13]
قوله عز وجل: { قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين }؛ أي قد كان لكم أيها اليهود عبرة، ويقال: أيها الكفار على صدق ما أقول لكم في فرقتين التقتا يوم بدر؛ فرقة تقاتل في سبيل الله؛ أي في طاعة الله وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، سبعة وسبعون رجلا من المهاجرين، ومائتان وستة وثلاثون من الأنصار، وكان صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين علي رضي الله عنه، وصاحب راية الأنصار سعد بن عبادة، وكان جملة الإبل التي في جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ سبعين بعيرا، والخيل فرسين؛ فرس المقداد وفرس مرثد بن أبي مرثد، وقيل: فرس علي، وكان معهم من السلاح ستة أدرع وثمانية سيوف، وجميع من استشهد من المسلمين أربعة عشر رجلا، ستة من المهاجرين، وثمانية من الأنصار.
قوله تعالى: { وأخرى كافرة } أي فرقة أخرى كافرة؛ وهم كفار مكة سبعمائة وخمسون رجلا مقاتلين، ورئيسهم يومئذ عتبة بن ربيعة، وكانت خيلهم مائة فرس، وكانت حرب بدر أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: { يرونهم مثليهم رأي العين } من قرأ بالياء؛ فالمعنى ترى الفئة المؤمنة الفئة الكافرة مثليهم ظاهر العين؛ أي ظن المسلمون أن المشركين ستمائة ونيف، وإنهم يغلبوا المشركين كما وعدهم الله بقوله:
فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين
[الأنفال: 66] قلل الله المسلمين في أعين المشركين، والمشركين في أعين المسلمين حتى اقتتل الفريقان كما قال الله تعالى:
وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم
Página desconocida