274

Tafsir Kabir

التفسير الكبير

Géneros

قوله عز وجل: { وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة }؛ قال ابن عباس: (هذا جواب عن قولهم لنبيهم: والله ما نصدقك أن الله بعثه علينا، ولكنك أنت بعثته علينا ملكا مضارة لنا حين سألناك ملكا، وإلا فآتنا بآية أن الله قد بعثه علينا. فقال لهم: { إن آية ملكه } أي الدلالة على كون طالوت ملكا، أن يأتيكم التابوت الذي أخذه منكم عدوكم. وكان ذلك التابوت من عود الشمار الذي يتخذ منه الأمشاط المرصعة بالذهب عليه صفائح الذهب، وكانت السكينة في التابوت؛ وهي شبه دابة رأسها كرأس الهرة ولها ذنب كذنبها له رأسان، ووجه كوجه الإنسان ولها جناحان من زبرجد وياقوت، وكان فيها روح تكلمهم بالبيان فيما اختلفوا فيه، وكان لعينيها شعاع إذا نظرت إلى إنسان ذعر).

قال ابن عباس: (كانت بنو إسرائيل إذا حضر القتال قدموا التابوت بين أيديهم إلى العدو، فإذا أتت السكينة في التابوت وسمع من التابوت أنينها أقرب نحو العدو وهم يمضون معه أينما مضى، فإذا استقر ثبتوا خلفه، وكانت السكينة إذا صرخت في التابوت بصراخ هرة أيقنوا بالنصر وجاءهم الفتح، فلما عصت بنو إسرائيل الأنبياء صلوات الله عليهم، سلط الله عليهم عدوهم فقاتلهم وغلبهم على التابوت، ومضوا به إلى قرية من قرى فلسطين، وجعلوه في بيت صنم لهم، وجعلوا التابوت تحت الصنم، فأصبحوا من الغد والصنم تحته، وأصنامهم كلها أصبحت مكسرة، فأخرجوا التابوت من بيت الصنم، ووضعوه في ناحية من مدينتهم، فأخذ أهل تلك الناحية وجع في أعناقهم حتى هلك أكثرهم، فقال بعضهم لبعض: أليس قد علمتم أن إله بنو إسرائيل لا يقوم له شيء، فأخرجوا التابوت إلى قرية أخرى، فبعث الله على أهل تلك القرية بلاء حتى كان الرجل منهم يبيت سالما ويصبح ميتا قد أكل ما في جوفه، فأخرجوه منها إلى الصحراء ودفنوه في مخراة لهم، فكان كل من تغوط هنالك منهم أخذه الباسور والقولنج، فتحيروا! فقالت لهم امرأة من بني إسرائيل كانت عندهم قد سبوها: اعلموا أنكم لا تزالون ترون ما تكرهون ما دام التابوت فيكم فأخرجوه عنكم، فأتوا بعجل بإشارة تلك المرأة فحملوا عليها التابوت، ثم علقوها على ثورين ثم ضربوا جنوبها فأقبل الثوران يسيران، ووكل الله أربعة من الملائكة يسوقون الثورين، فلم يمر التابوت بشيء من الأرض إلا كان مقدسا، فأقبلا حتى وقعا على أرض بني إسرائيل فوضعوا التابوت في أرض بني إسرائيل، فلما رأى بنو إسرائيل التابوت كبروا وحمدوا الله وأطاعوا طالوت وأقروا بملكه، فذلك قوله: { تحمله الملائكة } أي تسوقه).

وقال ابن عباس: (جاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إليه حتى وضعته الملائكة عند طالوت).

وقرأ ابن مسعود ومجاهد والأعمش: (يحمله) بالياء. وعن علي رضي الله عنه: (أن السكينة كان ريحا هفافة لها وجه كوجه الإنسان).

وقوله تعالى: { وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون } يعني أنه كان في التابوت أيضا رضاض الألواح لموسى وعصاه من آس وعمامة هارون وقفيزة من المن وهو الترنجبين الذي كان لبني إسرائيل في طست من ذهب. وقوله تعالى: { تحمله الملائكة } أي تسوقه الملائكة. وقال بعضهم: أرسل الله ريحا انتزعت التابوت من أيدي الكفار، ثم حملته الملائكة فألقته بين يدي طالوت.

قوله تعالى: { إن في ذلك لآية لكم }؛ أي إن في رجوع التابوت إليكم لعلامة أن الله ملك عليكم طالوت، { إن كنتم مؤمنين }؛ أي مصدقين بذلك.

[2.249]

قوله عز وجل: { فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر }؛ الآية، أي فلما خرج طالوت من البلد { بالجنود } يعني خرج بهم من بيت المقدس وهم سبعون ألف مقاتل؛ وقيل: ثمانون ألفا، ولم يختلف عنه إلا كبير لهرمه أو مريض لسقمه أو ضرير لضرره أو معذور لعذره. وذلك أنهم لما رأوا التابوت قالوا: قد أتانا التابوت وهو النصر لا شك فيه، فسارعوا إلى الجهاد، فخرج معه خلق كثير؛ فقال: لا حاجة لي في كل ما أرى، ولا أبتغي إلا كل شاب نشيط فارع، ولا يخرج معي صاحب تجارة ولا رجل عليه دين، ولا رجل تزوج امرأة لم يبن بها؛ لأنهم يكونون مشغولين. فاجتمع إليه ثمانون ألفا من شرطه. فخرج بهم في حر شديد، فأصابهم العطش؛ فسألوا الماء؛ فقال لهم طالوت: { إن الله مبتليكم بنهر } أي مختبركم بنهر جار؛ وهو نهر الأردن وفلسطين؛ ليرى طاعتكم وهو أعلم؛ { فمن شرب منه فليس مني }؛ أي فليس من أهل ديني وطاعتي، وليس معي على عدوي، { ومن لم يطعمه }؛ أي ومن لم يشربه، { فإنه مني }؛ ومعي على عدوي، وقد يطلق لفظ الطعم على الشرب، قال الله تعالى:

ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا

[المائدة: 93].

Página desconocida