تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز
Investigador
عبد السلام عبد الشافي محمد
Editorial
دار الكتب العلمية
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤٢٢ هـ
Ubicación del editor
بيروت
Géneros
وقوله تعالى: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ الآية، قرأ نافع وابن كثير «يعملون» بياء على ذكر الغائب فالخطاب بالآية لأمة محمد ﷺ، والآية واعظة لهم بالمعنى إذ الله تعالى بالمرصاد لكل كافر وعاص، وقرأ الباقون بتاء على الخطاب المحتمل أن يكون في سرد الآية وهو الأظهر، ويحتمل أن يكون لأمة محمد ﷺ، فقد روي أن عمر بن الخطاب ﵁ قال: إن بني إسرائيل قد مضوا وأنتم الذين تعنون بهذا يا أمة محمد، يريد: وبما يجري مجراه.
قوله ﷿:
[سورة البقرة (٢): الآيات ٨٦ الى ٨٨]
أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٨٦) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (٨٧) وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا ما يُؤْمِنُونَ (٨٨)
جعل الله ترك الآخرة وأخذ الدنيا مع قدرتهم على التمسك بالآخرة بمنزلة من أخذها ثم باعها بالدنيا.
وهذه النزعة صرفها مالك ﵀ في فقه البيوع، إذ لا يجوز الشراء على أن يختار المشتري في كل ما تختلف صفة آحاده، ولا يجوز فيه التفاضل كالحجل المذبوحة وغيرها، ولا يخفف عنهم العذاب في الآخرة، ولا ينصرون لا في الدنيا ولا في الآخرة، والْكِتابَ التوراة، ونصبه على المفعول الثاني ل آتَيْنا، وَقَفَّيْنا مأخوذ من القفا، تقول قفيت فلانا بفلان إذا جئت به من قبل قفاه، ومنه قفا يقفو إذا اتبع. وهذه الآية مثل قوله تعالى: ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا [المؤمنون: ١٤٤]، وكل رسول جاء بعد موسى ﵇ فإنما جاء بإثبات التوراة والأمر بلزومها إلى عيسى ﵇، وقرأ الحسن ويحيى بن يعمر «بالرسل» ساكنة السين، ووافقهما أبو عمرو إذا انضاف ذلك إلى ضمير نحو رسلنا ورسلهم، والْبَيِّناتِ الحجج التي أعطاها الله عيسى، وقيل هي آياته من إحياء وإبراء وخلق طير، وقيل هي الإنجيل، والآية تعم جميع ذلك، وأَيَّدْناهُ معناه قويناه، والأيد القوة، وقرأ ابن محيصن والأعرج وحميد «آيدناه» . وقرأ ابن كثير ومجاهد «روح القدس» بسكون الدال. وقرأ الجمهور بضم القاف والدال، وفيه لغة فتحهما، وقرأ أبو حيوة «بروح القدس» بواو، وقال ابن عباس ﵁:
«روح القدس هو الاسم الذي به كان يحيي الموتى»، وقال ابن زيد: «هو الإنجيل كما سمى الله تعالى القرآن روحا»، وقال السدي والضحاك والربيع وقتادة: «روح القدس جبريل ﷺ»، وهذا أصح الأقوال. وقد قال النبي ﷺ لحسان بن ثابت: «اهج قريشا وروح القدس معك»، ومرة قال له «وجبريل معك»، وقال الربيع ومجاهد: الْقُدُسِ اسم من أسماء الله تعالى كالقدوس، والإضافة على هذا إضافة الملك إلى المالك، وتوجهت لما كان جبريل ﵇ من عباد الله تعالى، وقيل الْقُدُسِ الطهارة، وقيل الْقُدُسِ البركة.
وكلما ظرف، والعامل فيه اسْتَكْبَرْتُمْ، وظاهر الكلام الاستفهام، ومعناه التوبيخ والتقرير، ويتضمن أيضا الخبر عنهم، والمراد بهذه الآية بنو إسرائيل.
1 / 176