Tafsir Bayan Sacada
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
Géneros
ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون
[البقرة: 48] وكرر الآيتين لكمال الاهتمام بالنصح وللاشعار بأن أصل جملة النصائح تذكير النعم والموت والتهديد منه بجعلها مقدمة للنصائح وفذلكة لها.
[2.124]
تحقيق ابتلاء ابراهيم بكلمات { وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات } ابتليته اختبرته وامتحنته او استخبرته فأبلانى اى أخبرنى وكلا المعنيين صحيح هاهنا والمعنى امتحنه بسبب عرض كلمات عليه هل يعلمه او يتحمله ام لا او استخبره كذلك وقرئ ابرهيم ربه برفع ابرهيم ونصب ربه بمعنى سأل { إبراهيم ربه } على ان يكون ابتلى بمعنى استخبر المستلزم للسؤال، والكلمات جمع الكلمة وهى فى عرف الادباء لفظ موضوع لمعنى مفرد، وفى اللغة اللفظة والقصيدة وتستعمل فى كل لفظ موضوع مفردا كان ام مركبا، ناقصا ام تاما، وفى الكلمات النفسية كذلك، وفى عرف الشرع تستعمل فى الكلمات اللفظية والنفسية كاللغة، وفى الكلمات الوجودية التى هى مراتب الوجود طولا وأنحاء الوجودات عرضا، فان خصوصيات المصادق غير معتبرة فى مفاهيمها عندهم فان القلم مثلا اسم لما يكتب به وليس كونه قصبا او حديدا او غير ذلك معتبرا فى مفهومه، والكلمة ما دل على معنى من دون اعتبار خصوصية اللفظ او النقش او الوضع من واضع بشرى فيها، وقد كثر اطلاق الكلمات فى الآيات والاخبار على أنحاء الوجودات والمراد بالكلمات مراتب الوجودات التى هى شؤن انسانية الانسان المستلزمة للكمالات الانسانية النفسية والاضافية من الاخلاق والنبوات والرسالات والامامات، والمراد بالابتلاء بهن عرضهن عليه بايداع انموذج من كل فى وجوده بحيث يستشعر ويلتذ به ويشتاق الى أصله فيجول بشوقه حتى يبلغ الى حقيقته وتمكن وتحقق بها فانه اذا اراد الله بعبد ان يظهر منه خيرا او شرا ابتلاه بشيء من الغيب بمعنى انه ينبهه على ان ما وراء الشهادة شيء فيظن اولا ذلك الشيء ويشتاقه فقد يجول حول ظنه وقد يسكن عن الحركة الى مآرب نفسه حتى يصير ظنه علما فيشتد شوقا فقد يجول حول علمه أكثر من جولانه حول ظنه وقد يسكن عن الحركة الى ما اقتضته نفسه حتى يصير علمه وجدانا بايداع انموذج ذلك الامر فى نفسه شاعرا كان فى تلك المراتب بظنه وعلمه ووجدانه او غير شاعر فيجول حول وجدانه اكثر من جولانه السابق حتى يصير وجدانه شهودا فيجول حول مشهوده اكثر من السابق حتى يتصل فيلازم المتصل به حتى يتحد فيلازم حتى يبقى المتحد به وحده وكل من تلك المراتب له درجات بحسب اشتداده وضعفه وللسالك فى الدرجات حالات بحسب تلوينه وتمكينه، وان سكن المتنبه وحام حول نفسه عن مظنونه ومعلومه كان كمن آتاه الله آياته فانسلخ منها وظهر شره، والمراد باتمام الكلمات اتمامها من حيث الاضافة اليه عليه السلام لا من حيث أنفسها فانها تامات من حيث أنفسها بل فوق التمام وتماميته اضافتها بالتمكن فى التحقق بها وهو آخر المراتب والدرجات، فالمعنى واذكر حتى تكون على بصيرة فى أمرك او فى أمر من تعلمه السلوك الى الآخرة او ذكر حتى يعلم من يريد السلوك الى الله وقتا ابتلى ابراهيم (ع) ربه باذاقة طعم من اللطائف الوجودية الغيبية واشمام رائحة منها فوجد والتذ واشتاق واهتزوا نماث وطاب ووصل واتصل واتحد { فأتمهن } وصار واحدا متحققا متمكنا ولما كان ظهور لطائف الانوار الخمسة محمد (ص) وعلى (ع) وفاطمة (ع) والحسن (ع) والحسين (ع) او الاثنى عشر او الاربعة عشر من لوازم اتمام تلك الكلمات، وهكذا الحال فى الامتحان بذبح الولد فسر الكلمات فى الاخبار بها، ولما كان ابرهيم (ع) بالنسبة الى محمد (ص) ناقصا وان كان بالنسبة الى سائر الانبياء تام الكلمات أتى بالجمع السالم خاليا عن اللام مفيدا للقلة بخلاف محمد (ص) حيث قال
فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته
[الأعراف: 158] فأتى بالكلمات مضافة مفيدة للعموم، ولما أتم الكلمات وأتمت له العبودية والنبوة والرسالة والخلة فانها كانت من لوازم تلك الكلمات وبتمامهن تكون تمامها.
تحقيق مراتب الخلق من النبوة والرسالة والخلة والامامة
{ قال } تشريفا له { إني جاعلك للناس إماما } وهذه الامامة غير امامة امام القوم فى ضلالة كانت ام فى رشد، وغير امامة امام الجماعة والجمعة حقا كان ام باطلا، وغير الامامة الحقة الجزئية التى اتصف بها مشايخ الاجازة فى الرواية او فى الهداية، وغير الامامة الحقة الجزئية التى اتصف بها كل نبى ووصى بل هى فوق كل المراتب الانسانية وهى مقام التفويض الكلى الحاصل بعد الولاية والرسالة الكليتين ولذا ورد عن الصادق (ع): ان الله تبارك وتعالى اتخذ ابراهيم عبدا قبل ان يتخذه نبيا، وان الله اتخذه نبيا قبل ان يتخذه رسولا، وان الله اتخذه رسولا قبل ان يتخذه خليلا، وان الله اتخذه خليلا قبل ان يجعله اماما، فلما جمع له الاشياء قال: { إني جاعلك للناس إماما } فالامامة آخر جميع مراتب كمالات الانسان فان اول كمالاته العبودية من اولى درجاتها، وهى اولى درجات السلوك الى الطريق متدرجا فيه الى الوصول الى الطريق متدرجا فى السلوك على الطريق الى الله الى ان خرج من انانيته ورقية نفسه ودخل فى زمرة عباده واستكمل العبودية وصار عبدا خالصا، فان ادركته العناية وأبقاه الله بعد فنائه وأحياه بحياته لتكميل خلقه فاما ان يوكله باصلاح قلبه الذى هو بيت الله حقيقة وباصلاح اهل مملكة نفسه من غير اذن له فى الرجوع الى خارج مملكته وهو مقام النبوة المفردة عن الرسالة، او يأذن له مع ذلك باصلاح المملكة الخارجة وهو الرسالة المفردة عن الخلة، او يختاره مع ذلك لنفسه ممتازا به عن سائر رسله معيدا له كرة أخرى غير العود الاول فان العود الاول كان بطرح كل ما أخذ وبهذا العود يعود معه جميع ما أعطاه الله وهو جميع ما سواه وهو الخلة، فان استكمل مقام الخلة بان كان مقامه مع الحق هو مقامه مع الخلق مع التمكن فى ذلك اختاره للامامة وتفويض جملة الامور اليه بحيث لا يسقط ورق من شجر الا باذن وكتاب واجل منه، وليس وراء هذه مقام ومرتبة.
وقد علم من هذا ان كل امام خليل، وكل خليل رسول، وكل رسول نبى، وكل نبى عبد؛ وليس بالعكس، وان الامامة بهذا المعنى هو الجمع بين المقام فى الخلق والمقام عند الحق من غير قصور فى شيء منهما مع التمكن فى ذلك ولما نظر ابراهيم (ع) الى مقام الامامة وشرافتها وكان حافظا للخلق مع المقام عند الحق اقتضى مقامه فى الخلق مراعاة أرحامه الجسمانية والروحانية فتبجح بما أعطاه الله وسأل ذلك لاعقابه، ولما علم أن جميع ذراريه لا يمكن ان يكونوا بهذا الشأن { قال ومن ذريتي } بمن التبعيضية عطفا على ضمير الخطاب فى جاعلك، وقد يفعل مثل ذلك المتخاطبان فيعطف أحدهما شيئا من قوله على شيء من قول الآخر مثل ان يقال: سأكرمك فيقول المخاطب: وزيدا، او عطفا على جملة انى { جاعلك للناس إماما } بتقدير واجعل من ذريتى، واعتبار معنى الانشاء: فى انى جاعلك كأنه قال: لاجعلك، للناس اماما، قال: واجعل من ذريتى، ولفظ قال فى المراتب الثلاث جواب لسؤال مقدر ويجوز ان يكون اذ ابتلى ظرفا متعلقا بقال الاول لا مفعولا لمقدر والذرية مثلثة الذال وقرء بالضم والكسر نسل الرجل فعيلة او فعولة من الذر بمعنى التفريق واصله ذريرة او ذرروة قلبت الراء الاخيرة ياء جوازا مثل احسيت فى احسست ثم تصرف فيه بحسب اقضاء الصرف او من الذرأ بمعنى الخلق او بمعنى التكثير واصله ذريئة او ذروئة فتصرف فيه على حسب اقتضاء الصرف { قال لا ينال عهدي الظالمين } اجابة لمسؤله وتعيين للمعطى والمحروم وتنبيه له على أن من ذريته من يكون ظالما، وعلى ان المتصف بالظلم لا يصلح للامامة، وابطال لامامة كل ظالم الى يوم القيامة، وقد اعترف بعض مفسرى العامة بأن الآية تدل على عصمة الانبياء من الكبائر قبل البعث وان الفاسق لا يصلح للامامة، والعهد الوصية والتقدم الى المرء فى شيء والموثق والكتاب الذى يكتب للولاة مشتملا على ما ينبغى ان يعملوا بالنسبة الى الرعية مأخوذ من الوصية والحفاظ ورعاية الحرمة والامان، والمراد بالعهد المذكور الامامة السابقة فان الاضافة للعهد ويناسبها كل من المعانى المذكورة، ومضى بيان للظلم وقد ورد فى الأخبار أن محمدا (ص) والائمة (ع) هم المقصودون بدعوة ابراهيم (ع).
[2.125]
Página desconocida