Tafsir Bayan Sacada
تفسير بيان السعادة في مقامات العبادة
Géneros
[2.22]
{ الذي جعل لكم الأرض فراشا } صفة ثانية والفراش واحد الفرش وهو ما يفترش على الارض للجلوس والاضطجاع عليه ويلزمه الانتفاع به ومطاوعته للانسان ولما كانت الارض منبسطة يمكن الاستقرار والاضطجاع عليها والانتفاع بها أطلق الفراش عليها، وما نقل عن الرضا (ع) من قوله جعلها ملائمة لطبائعكم موافقة لاجسادكم، لم يجعلها شديدة الحمى والحرارة فتحرقكم، ولا شديدة البرودة فتجمدكم، ولا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم، ولا شديدة النتن فتعطبكم، ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم فى دوركم وابنيتكم وقبور موتاكم، ولكن الله تعالى جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به وتتماسكون وتتماسك عليها ابدانكم وبنيانكم، وما تنتفعون به لدوركم وقبوركم وكثير من منافعكم فلذلك جعل الارض فراشا؛ يدل على انه (ع) اعتبر فى وجه الشبه جميع لوازم الفراش { والسماء بنآء } سقفا به يحفظكم ويسهل تعيشكم على الارض بتدبيره تعالى وتنظيمه تعالى اسبابه التى بها يحصل تمام ما تحتاجون اليه، { وأنزل من السمآء } من جهة العلو { مآء } بالمطر والبرد والثلج فيستقى به قمم جبالكم وتلالكم كما يستقى به وهادكم وجعله بحيث ينتفع به اراضيكم واشجاركم وزروعكم ولم يجعله قطعة واحدة يفسد ابنيتكم وزروعكم { فأخرج به من الثمرات } جمع الثمرة وهى الفاكهة او مطلق ما يحصل من الزروع والاشجار { رزقا لكم } لفظة من للابتداء او للتبيين او للتبعيض والجار والمجرور حال من رزقا مقدم عليه ورزقا مفعول به او لفظة من للتبعيض والجار والمجرور قائم مقام المفعول به ورزقا حال من الثمرات او بدل من بعض الثمرات بدل الاشتمال، واذا كان الرب الذى خلقكم منعما عليكم بعد خلقكم بهذه النعم ومربيا لكم بهذه التربية من تسبيب الاسباب السماوية والارضية { فلا تجعلوا لله أندادا } فى الوجوب او الآلهة والتربية او العبادة او الطاعة او الاستعانة او الوجود فانه حقيق ان يوحد فى الكل، ووضع الظاهر موضع المضمر للاشارة الى جميع الاضافات اللازمة للربوبية فان الله اسم للذات من حيث جميع الصفات ومن جملة الاضافات التفرد بالآلهة واستحقاق العبادة والاستعانة به حتى يكون كالعلة للنهى، والوجه العام فى تكرار اسمائه تعالى الالتذاذ بها والنشاط فى ذكرها، واقتضاء تمكنها فى النفس ذكرها على اللسان، وتحصيل تمكنها فى النفس بتكرار ذكرها، وتكرار اسماء الله تعالى فى الكتاب المجيد ادل دليل على ان الآتى به لم يكن فى وجوده سوى تذكر معبوده { وأنتم تعلمون } ذوو العلم والشعور ولا يسوى ذو الشعور من لا يقدر على شيئ بمن يقدر على هذه، هذا على ان يكون مفعول تعلمون منسيا، واما اذا قدر المفعول قدرة الله وعدم قدرة الانداد فالمعنى وانتم تعلمون ان الله يقدر على ذلك وان الانداد لا يقدرون على شىء من ذلك.
[2.23]
{ وإن كنتم } عطف باعتبار المعنى يعنى ان كنتم فى ريب من الله ووجوب وجوده ومبدئيته فهذه أوصافه التى لا تنكرونها وان كنتم { في ريب } من الرسالة { مما نزلنا على عبدنا } حتى تجحدوا رسالته وما قاله هو فى التوحيد وخلع الانداد { فأتوا بسورة } السورة من القرآن طائفة من القرآن محدودة مبدوأة ببسم الله الرحمن الرحيم او غير مبدوأة مأخوذة من سور المدينة او من السور بمعنى الرتبة او من السؤر بالهمزة بمعنى البقية والقطعة من الشئ، وقد مضى فى اول الفاتحة تفصيل لبيان السورة { من مثله } من مثل محمد (ص) او من مثل ما نزلنا وهذا أوفق بالتحدى وأبلغ فى ادعاء اعجاز القرآن لانه يدل على انه معجز مطلقا بخلاف الاول فانه يدل على اعجازه من مثل محمد (ص) الذى لم يقرأ ولم يكتب اصلا واطبق بسائر الآيات المتحدى بها وأنسب بقوله { وادعوا } اى للاستعانة او التصديق { شهدآءكم } جمع الشهيد بمعنى الحاضر والمعنى ادعوا من ينبغى ان يحضر للاعانة او بمعنى الناصر او الامام او بمعنى القائم بالشهادة المؤدى لها { من دون الله } لفظ دون بمعنى المكان الدانى من الشيئ وبمعنى تحت نقيض فوق وبمعنى عند ويستعمل من باب الاتساع فى الرتبة مثل، زيد دون عمرو، يعنى مرتبته تحت مرتبة عمرو، وبمعنى غير وهو المراد هنا والظرف مستقر حال من شهدائكم والمعنى ادعوا ناصريكم او من ينبغى ان يحضر ناديكم لاعانتكم او ائمتكم او من يشهد لكم بالمماثلة لاداء الشهادة حين الاتيان، او للاعانة حين الترتيب حال كونهم بعضا ممن هو غير الله.
تحقيق معنى من دون الله
وقد ذكر فى بيان من دون الله فى بعض تفاسير العامة ما لنا الغناء عن ذكره ولما كان اولياء الله من الانبياء واوصيائهم (ع) مظاهر اسماء الله وصفاته بل لا يظهر الله الا بهم كما ورد: بكم عرف الله؛ جاز ان يراد بقوله من دون الله من دون اولياء الله خصوصا على اجراء الآية الشريفة فى منافقى الامة وقد ذكر ان المراد من دون اولياء الله { إن كنتم صادقين } فى ادعاء الريب، او فى انكار التوحيد، او انكار تنزيل القرآن من السماء او فى انكار الرسالة، وانكار الكتاب المنزل عليه وان محمدا (ص) تقوله من تلقاء نفسه او تعلمه من بشر مثله فان العامة اذا ارتابوا فى شئ أنكروه فى الاغلب لانهم ينكرون ما وراء معلومهم فيجوز ان يراد بقوله { إن كنتم في ريب مما نزلنا } معنى قوله ان انكرتم ما نزلنا على عبدنا.
الاشارة الى وجوه اعجاز القرآن
واعلم ان آيات التحدى وان القرآن لا يمكن الاتيان للبشر بمثله
ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا
[الإسراء: 88] كثيرة وقد ورد وشاع فى الالسن ان القرآن هو المعجزة الباقية بعد محمد (ص) وذكروا فى اعجاز القرآن وجوها كثيرة تبلغ بضعة عشر وجها متحيرين غير قاطعين والترديد فى وجه اعجاز القرآن دليل على عدم ادراك وجه اعجازه، وما ورد فى الاخبار من ان اعجازه بفصاحته وبلاغته لا يدركه الا اهل اللسان البارع فى الفصاحة وقد ورد فى الكتاب الكريم ان فيه تبيان كل شيئ وهذا وجه لا يدركه الا أهله، وكذا ما ورد ان به تسيير الجبال وتقطيع الارض وتكليم الموتى ليس الا لأهله، وما ورد ان فيه شفاء ورحمة للمؤمنين لا يدركه الا الخواص من المؤمنين، واشير فى الاخبار الى استنباط الوقائع الآتية من أعداد حروفه، واشير ايضا الى ترتب الآثار على اعداد حروفه، وهذا ايضا وجه لا يدركه الا اهل العلوم الغريبة، ولهذا أنكر بعض اعجاز القرآن وتردد بعض فيه ، ومن قال به لم يقل عن تحقيق بل محض التقليد للاسلاف او للآيات والاخبار، ومن حقق اعجازه ببعض الوجوه او بكلها قليل جدا وليس له اظهاره كما لم يظهره الاوائل الا بالاشارة، ولما كان التحدى مع اهل لغة العرب وكانوا مباهين بالخطب والاشعار كان التحدى بفصاحته وقد اعترفوا ببراعته كل كلام وخطاب، ولهذا ورد فى اخبار كثيرة ان التحدى كان بوجه فصاحته.
Página desconocida