115

Tafsir Bahr Muhit

البحر المحيط في التفسير

Editor

صدقي محمد جميل

Editorial

دار الفكر

Número de edición

١٤٢٠ هـ

Ubicación del editor

بيروت

بَوَاطِنُهُمْ ظَوَاهِرَهُمْ وَاخْتَارُوا الْكُفْرَ، اسْتَبْدَلُوا بِالْهُدَى الضَّلَالَ، فَتَحَقَّقَتِ الْمُعَاوَضَةُ، وَحَصَلَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ حَقِيقَةً، وَكَانَ مِنْ بُيُوعِ الْمُعَاطَاةِ الَّتِي لَا تَفْتَقِرُ إِلَى اللَّفْظِ، وَقَالُوا: لَمَّا وُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ وَاسْتَمَرَّ لَهُمْ حُكْمُهَا إِلَى الْبُلُوغِ وجد التَّكْلِيفِ، اسْتَبْدَلُوا عَنْهَا بِالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ فَتَحَقَّقَتِ الْمُعَاوَضَةُ، وَقَالُوا: لَمَّا كَانُوا ذَوِي عُقُولٍ مُتَمَكِّنِينَ مِنَ النَّظَرِ الصَّحِيحِ الْمُؤَدِّي إِلَى مَعْرِفَةِ الصَّوَابِ مِنَ الْخَطَأِ، اسْتَبْدَلُوا بِهَذَا الِاسْتِعْدَادِ النَّفِيسِ اتِّبَاعَ الْهَوَى وَالتَّقْلِيدَ لِلْآبَاءِ، مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ الْوَاضِحِ، فَتَحَقَّقَتِ الْمُعَاوَضَةُ. قَالُوا: وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِالْآيَةِ أَهْلَ الْكِتَابِ، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ، فَقَدْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَمُصَدِّقِينَ بِبَعْثِ النَّبِيِّ ﷺ، وَمُسْتَفْتِحِينَ بِهِ، وَيَدْعُونَ بِحُرْمَتِهِ، وَيُهَدِّدُونَ الْكُفَّارَ بِخُرُوجِهِ، فَكَانُوا مُؤْمِنِينَ حَقًا. فَلَمَّا بُعِثَ ﷺ وَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، خَافُوا عَلَى رِئَاسَتِهِمْ وَمَآكِلِهِمْ وَانْصِرَافِ الِاتِّبَاعِ عَنْهُمْ، فَجَحَدُوا نُبُوَّتَهُ وَقَالُوا: لَيْسَ هَذَا الْمَذْكُورَ عِنْدَنَا، وَغَيَّرُوا صِفَتَهُ، وَاسْتَبْدَلُوا بِذَلِكَ الْإِيمَانِ الْكُفْرَ الَّذِي حَصَلَ لَهُمْ، فَتَحَقَّقَتِ الْمُعَاوَضَةُ. قَالُوا: وَإِنْ كَانَ أَرَادَ سَائِرَ الْكُفَّارِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، فَالْمُعَاوَضَةُ أَيْضًا مُتَحَقِّقَةٌ، إِمَّا بِالْمُدَّةِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا عَلَى الْفِطْرَةِ ثُمَّ كَفَرُوا، أَوْ لِأَنَّ الْكُفَّارَ كَانَ فِي مَحْصُولِهِمُ الْمَدَارِكُ الثَّلَاثَةُ: الْحِسِّيُّ وَالنَّظَرِيُّ وَالسَّمْعِيُّ، وَهَذِهِ الَّتِي تُفِيدُ الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ، فَاسْتَبْدَلُوا بِهَا الْجَرْيَ عَلَى سُنَنِ الْآبَاءِ فِي الْكُفْرِ. وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: خَلَقَهُمْ لِطَاعَتِهِ، فَاسْتَبْدَلُوا عَنْ هَذِهِ الْخِلْقَةِ الْمُرْضِيَةِ كُفْرَهُمْ وَضَعْفَ قَوْلِهِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى لَوْ بَرَّأَهُمْ لِطَاعَتِهِ، لَمَا كَفَرَ أَحَدٌ مِنْهُمْ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا لِشَيْءٍ وَيَتَخَلَّفَ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ.
وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِلَّا لِيَعْبُدُونِ «١»، وَعَلَى وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ: الضَّلَالَةُ: الْكُفْرُ، وَالْهُدَى: الْإِيمَانُ، وَقِيلَ الشَّكُّ وَالْيَقِينُ، وَقِيلَ الْجَهْلُ وَالْعِلْمُ، وَقِيلَ الْفِرْقَةُ وَالْجَمَاعَةُ، وَقِيلَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ، وَقِيلَ النَّارُ وَالْجَنَّةُ. وَعَطْفُ: فَمَا رَبِحَتْ، بِالْفَاءِ، يَدُلُّ عَلَى تَعَقُّبِ نَفْيِ الرِّبْحِ لِلشِّرَاءِ، وَأَنَّهُ بِنَفْسِ مَا وَقَعَ الشِّرَاءُ تَحَقَّقَ عَدَمُ الرِّبْحِ. وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْفَاءَ فِي قَوْلِهِ: فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ دَخَلَتْ لِمَا فِي الْكَلَامِ مِنْ مَعْنَى الجزاء والتقديران اشْتَرَوْا. وَالَّذِينَ إِذَا كَانَ فِي صِلَةِ فِعْلٍ، كَانَ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ، وَمِثْلُهُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ «٢»، وَقَعَ الْجَوَابُ بِالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ: فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ «٣»، وَكَذَلِكَ الَّذِي يَدْخُلُ الدَّارَ فَلَهُ دِرْهَمٌ، انْتَهَى. وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الَّذِينَ لَيْسَ مُبْتَدَأً، فَيُشَبَّهُ بِالشَّرْطِ الَّذِي يَكُونُ مُبْتَدَأً، فَتَدْخُلُ الْفَاءُ فِي خَبَرِهِ، كما تدخل

(١) سورة الذاريات: ٥١/ ٥٦.
(٢) سورة البقرة: ٢/ ٢٦٢.
(٣) سورة البقرة: ٢/ ٢٧٤. [.....]

1 / 118