314

Tafsir and the Exegetes

التفسير والمفسرون

Editorial

مكتبة وهبة

Ubicación del editor

القاهرة

Géneros

قطعًا، إلى ما يتوهمه من تمثيل يسميه تخييلًا. فالقاعدة التى تعتمد عليها كى لا يضرك ما يومئ إليه: أن كل ما جوَّزه العقل وورد بوقوعه السمع، وجب حمله على ظاهره. والله الموفق".
ومسألة التمثيل والتخيل يستعملها الزمخشرى بحرية أوسع فيما ورد من الأحاديث التى يبدو ظاهرها مستغربًا، وأسوق إليك مثالًا أتى به الزمخشرى عند تفسيره لقوله تعالى فى الآية [٣٦] من سورة آل عمران: ﴿وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشيطان الرجيم﴾ .. قال ﵀: "وما يروون من الحديث: "ما من مولود إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخًا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها" فالله أعلم بصحته، فإن صح فمعناه أن كل مولود يطمع الشيطان فى إغوائه إلا مريم وابنها، فإنهما كانا معصومَيْن، وكذلك كل منَ كان فى صفتهما، كقوله تعالى: ﴿... لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين﴾ [ص: ٨٢-٨٣] .. واستهلاله صارخًا من مسه، تخييل وتصوير لطمعه فيه، كأنه يمسه ويضرب بيده عليه، ويقول: هذا ممن أغويه. ونحوه من التخييل قول ابن الرومى:
لما تؤذن الدنيا به من صروفها ... يكون بكاء الطفل ساعة يولد
وأما حقيقة المس والنخس كما يتوهم أهل الحشو فكلا، ولو سُلِّطَ إبليس على الناس بنخسهم لامتلأت الدنيا صراخًا وعياطًا مما يبلونا به من نخسه".
وبالضرورة لم يرتض ابن المنير هذا الصنيع من خصمه المعتزلى، فنراه يتورَّك عليه بقوله: "أما الحديث فمذكور فى الصحاح متفَق على صحته، فلا محيص له إذن عن تعطيل كلامه ﵇ بتعميله ما لا يحتمله، جنوحًا إلى اعتزال منتزع، فى فلسفة منتزعة، فى إلحاد. ظلمات بعضها فوق بعض،. وقد قدمت عند قوله تعالى: ﴿لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الذي يَتَخَبَّطُهُ الشيطان مِنَ المس﴾ [البقرة: ٢٧٥] ما فيه الكفاية. وما أرى الشيطان إلا طعن فى خواصر القدرية حتى بقرها، وذكر فى قلوبهم حتى حمل الزمخشرى وأمثاله أن يقول فى كتاب الله تعالى وكلام رسوله ﵇ بما يتخيل، كما قال فى هذا الحديث. ثم تنظيره بتخييل ابن الرومى فى شعره جرأة وسوء أدب. ولو كان معنى ما قاله صحيحًا لكانت هذه العبارة واجبًا أن تُجتنب. ولو كان الصراخ غير واقع من المولود لأمكن على بُعْدٍ أن يكون تمثيلًا، أما وهو واقع مُشاهدَ فلا وجه لحمله على التخييل إلا الاعتقاد الضئيل، وارتكاب الهوى الوبيل".

1 / 320